العمارة مانع من الاحياء بغير إذن الإمام ثم ينظر فيه أي في حريم العمارة، فإن كان فيه ضرر فلا يجوز إحياؤه ولا يبحه الامام، وما لم يكن فيه ضرر فإنه يجوز إحياؤه بإذن الإمام، ويكون الموات على ثلاثة أقسام كما قال ابن رشد في رسم الدور من سماع يحيى من كتاب السداد والأنهار ونصه: الموات الذي يستحقه الناس بالاحياء لقول النبي (ص) من أحيا أرضا ميتة فهي له هي الأرض التي لا نبات فيها. قال ذلك مالك رحمه الله في رواية ابن غانم عنه بدليل قوله تعالى * (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) * فلا يصح الاحياء إلا في البوار. ثم قال: وحكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه وهي على ثلاثة أوجه: بعيد من العمران، وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه، وقريب منه في إحيائه ضرر على من يختص بالانتفاع به. فأما البعيد من العمران فلا يحتاج في إحيائه إلى استئذان الامام إلا على طريق الاستحباب على ما حكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون. وأما القريب منه الذي لا ضرر في إحيائه على أحد فلا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام على المشهور في المذهب. وقيل: إن استئذان الامام في ذلك مستحب وليس بواجب. واختلف إن وقع بإذنه على القول بأنه لا يجوز إلا بإذنه، قيل يمضي مراعاة للخلاف وهو قول المغيرة وأصبغ وأشهب، وقيل إنه يخرج منه ويكون له قيمة بنيانه منقوضا وهو القياس، ولو قيل إنه يكون له قيمته قائما للشبهة في ذلك لكان له وجه. وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر كالأفنية التي يكون أخذ شئ منها ضررا بالطريق وشبه ذلك، فلا يجوز إحياؤه بحال ولا يبيحه الامام انتهى. وقد تقدم عنه. وقال في الرسم الذي قبله ما نصه على ما اختصره ابن عرفة قال ابن حبيب: الشعارى المجاورة للقرى والمتوسطة بينها لا يقطع الامام منها شيئا لأنها ليست كالعفاء من الأرض التي لعامة المسلمين، إنما هي حق من حقوقهم كالساحة للدور، وإنما العفاء ما بعد. وتعقب الفضل قوله فقال: وأين يقطع الامام إلا فيما قرب من العمران وهو لا يلزم لأنه إنما أراد الشعارى القريبة من القرى جدا لان إقطاعها ضرر بهم في قطع مرافقهم منها التي كانوا يختصون بها لقربهم على ما سنذكره في رسم الدور انتهى. والذي في رسم الدور وهو ما تقدم. والشعارى هي الشجر المختلط أو الأرض ذات الشجر، كذا فسرها أهل اللغة. فعلى هذا إنما يمتنع من إحياء القريب الذي في إحيائه ضرر، وأما ما لا ضرر في إحيائه فلا يمنع من ذلك ولو كان قريبا إلا أنه لا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام على المشهور والله أعلم.
(٦١٤)