عنه، ومع ثبوت ذلك لا يجوز أن يختار فعله، لأنه لا يكون إلا لداع، وهو أما جهل بقبحه، أو حاجة إليه (1)، ومع استحالتهما وثبوت داعي الحكمة الذي لا يتقدر له داع سواه (2)، لا بد من كونه متعاليا عنه (ولأن وجه حسن الفعل داع إليه ووجه قبحه صارف عنه) (3) إذا المخبر فيهما مع علمه بهما لغرض مستوفي كليهما لا يختار إلا الحسن الذي وجه حسنه داع له إلى فعله، وإن جاز عليه خلافه، فأولى بذلك من لا يجوز عليه ما ينافي داع الحكمة ولا ما يخالفه.
ولأنه لو جاز منه وقوع القبيح لسمي بأسمائه التي إطلاقها تابع لوقوعه، فكما استحال أن يسمى بشئ منها (4) يكون وقوع القبيح منه أولى بالاستحالة وعن إرادته، لأنه تابعة المراد، فمتى كان قبيحا كانت هي أيضا قبيحة، فلما لم يجز عليه فعله لم يجز منه إرادته، ولأنه لا فاعل لإرادته سبحانه سواه، فلو جاز أن يريد القبيح، كان على الحقيقة فاعلا له، وذلك مناف لحكمته التي يستحيل منافاتها ولأنه ناه عنه، لكونه كارها له، فلو أراده كان على الشئ وحده وعن الأمر به لقبحه ولمنافاته لما ثبت من حكمته، ولاستحالة كونه آمرا بما ثبت كونه عنه ناهيا، مع اتحاد الوقت والمأمور، فإنه لا يأمر إلا بما يريد، كما لا ينهى إلا عما يكره.
وقد ثبت بذلك تنزهه عن كلما يتبع إرادة القبيح من مشيته ومحبته والرضى به، إذ كل واحد من ذلك إرادة مخصوصة، وعن قضائه وقدره، لوجوب الرضى بهما، والصبر عليهما، مع قبح الرضى والصبر مما ليس بحسن (5)، ولأنه لو جاز أن