فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ٢
المتفرقة (1) الكثيرة، فدعاني ذلك إلى أن ألفت منها كتابا جامعا لمحاسن كتب الأولين والآخرين ليكون زماما لها كلها واماما محيطا " لجوامع " الكناشات وحذفت منه المعاني المكررة والخطب المشكلة المبرمة وقصدت إلى الفوائد والعيون، فتهيأ لي " منها " بعون الله سر من اسرار الحكمة وكنز من كنوز الصناعة وكناش يحيط بأكثر مما يتمناه المتمني ويبلغه الواصف من علم الطب ومعرفة أصول هذا " العالم " (2) وفروعه وكيفية جواهره واعراضه وكون أنفسه و " أجسامه " (3) وتراكب حيواناته ونباته وعلل ألوانه ومذاقاته. و منافع ذلك كله ومضاره وحدود أشياء حدتها الحكماء، فما أشبه الناظر فيه بفهم الا كالمتردد في الفراديس المثمرة المونقة أو في أسواق المدن العظيمة التي توجد فيها لكل حاسة من الحواس لذتها و سرورها غير أن من اقتصر من معرفة الجنان والمدن على معاينة أبوابها فقط كان كمن لم ير منها شيئا وكذلك من عد أبواب كتابي هذا و لم يستقص قراءة ما في كل باب " منها " لم يعرف حقيقة " ما أقول " (4)، ولقد اجتمع " ذلك " لي في عدة سنين وبعد تعب وسهر " مع اشغال دائمة مما كنت اتولى من كتابة ملك بلادي فما كنت أتفرغ لجمعه الا في أوقات يحتاج البدن فيها إلى نصيبه من الراحة والجمام لكن النفس كانت تأبى الا شهوتها واحتسابها وتقديم العناية به على المنافع والملاهي والسكون، فلما شارفت الفراغ منه عرض لي حادث من الدهر أزعجني عن بلادي إلى مستقر الملك الأعظم وأمرني بملازمة بابه في بعض اعماله، فعاق ذلك أيضا عما أردت إلى الوقت الذي اذن الله تعالى في اتمامه " في مدينه سر من رأى، وذلك في السنة الثالثة من خلافة العدل المؤيد الوهاب جعفر الامام المتوكل على الله أمير المؤمنين،

(1) " المتفرعة (2) العلم (3) أجساده (4) ما فيه "
(٢)