ديوان السيد حيدر الحلي - السيد حيدر الحلي - ج ٢ - الصفحة ١٠٥
فآها ثم آه، ولا قوة على الصبر إلا بالله، ماذا لقي المجد، ساعة ودع أخاه من برحاء الوجد، وقد ادرج منه في الكفن، من كان الروح المدبرة لهذا الزمن، فيا أعلام العلم وأقطاب الممالك، ويا أرباب الأسرة والأرائك، ويا رؤساء العشائر والقبائل، ويا خطباء المنابر والمحافل، ويا عترة الشرف والأحساب، وأسرة الكمال والآداب، ويا رائدي المعروف، ومنتجعي الرفد في الزمن العسوف، هلموا إلى النبأ العظيم والفادح الجسيم، الذي جدع مارن الدين، وقصم ظهر الاسلام والمسلمين، فطامنوا لهذا الحادث رؤوسكم، لقد استلب عزكم وناموسكم، رزيتم والله بمن جمعت له الرتبة العليا، بين رئاسة الدين والدنيا، قد ترشح لها بين النبوة والإمامة، واقتعد بها من الشرف الرفيع غاربه وستامه، وتوالت في المجد مناقبه الغرر، فملأت من الدهر السمع والبصر، خلدها على جباه الاعصار مسطوره، وبألسن الثناء في ألسنة المدن والأمصار مروية ومأثوره، تتغنى بها الحداة في الفلوات، وتتناقلها الرواة، على تعاقب السنين في جميع الأوقات، تنبئ عن حضرة سامية القدر رفيعة الرواق، آهلة الأفنية بكثرة الضيوف والطراق، جليلة الشأن والخطر، جميلة العيان والأثر، قد جاس رائد صيتها خلال الأرض، وفنيت مواقيتها وثمائن يواقيتها في أداء المعروف نافلة وفرض، فلذكر ربه - تغمده الله برحمته ورضوانه - النباهة، ولجاهه - أعلى الله مقامه - الوجاهة، ولقدره - طاب ثراه - التنويه، ولذاته قدس سره التنزيه، لقد نشر بيد الفخر في الخافقين أعلامه، وطوى على المكارم لياليه وأيامه، ورحل عن الدنيا إلى اللحود، وكان لها كاسمه (جعفر) فضل وجود، قد أحبت روحه الطاهرة، أن تتحول عن هذه الدار إلى نعيم دار الآخرة، فانتقل إليها بعد أن شحن الأولى ببره، وطبق أقطارها بفخره، وحمل من رواق مجده، ودفن في رواق جده، فصكت له الاشراف الجباه، عندما نفضت بأكفها الصبر على ثراه، ثم انصرف الجميع، والعلياء خلفهم تقرع سمع بني عبد مناف بما أنشأته من هذا التقريع:
عودي بطرفك يا قريش كليلا * وبعزمك امتلأت ظباه فلولا (886)

886 ذكرت في باب المراثي.
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»