خزانة الأدب - البغدادي - ج ٩ - الصفحة ٥٧
وهذا عجز وصدره: وتحتقر الدنيا احتقار مجرب والبيت فيه من أنواع البديع التكميل وهو أن يأتي الشاعر أو المتكلم بمعنى من معاني المدح أو غيره من فنون الشعر وأغراضه ثم يرى مدحه بالاقتصار على ذلك المعنى فقط غير كامل فيكمل بمعنى آخر كمن أراد مدح إنسان بالشجاعة ورأى مدحه بالاقتصار عليها دون الكرم مثلا غير كامل فيكمله بذكر الكرم أو بالبأس دون الحلم وما أشبهه.
قال ابن أبي الإصبع في تحرير التحبير: ومما وهم فيه المؤلفون في هذا الموضع أنهم خلطوا التكميل بالتتميم إذ ساقوا في باب التتميم شواهد التكميل لأنهم ذكروا قول عوف: السريع * إن الثمانين وبلغتها * قد أحوجت سمعي إلى ترجمان * من شواهد التتميم.
ومعنى البيت تام بدون لفظة وبلغتها. وإذا لم يكن المعنى ناقصا فيكف يسمى هذا تتميما وإنما هو تكميل. وما غلطهم إلا من كونهم لم يفرقوا بين تتميم الألفاظ وتتميم المعاني.
وكذلك أتوا بقول المتنبي:) وتحتقر الدنيا احتقار مجرب البيت في باب التتميم وهو مثل الأول وإن زاد على الأول أدنى زيادة لما في لفظة حاشاك بعد ذكر الفناء من حسن الأدب مع الممدوح. وربما سومح بأن يجعل هذا البيت في شواهد التتميم بهذه اللفظة. وأما الأول فمحض التكميل ولا مدخل
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»