أوحي إليه من الله تعالى.. أو بعض ما أوحي إليه.. ويتلخص هذا العرض في أن يقدم الرسول بعض التنازلات الفكرية للمشركين في مكة، لينضموا إلى صفوف الدعوة..
لقد حاولوا هذه المحاولة في صور شتى.. منها: مساومتهم له ان يعبدوا إلهه، في مقابل ان يترك التنديد بآلهتهم، وما كان عليه آباؤهم.. ومنها مساومة بعضهم له ان يجعل أرضهم حراما كالبيت العتيق الذي حرمه الله ومنها طلب بعض الكبراء، ان يجعل لهم مجلسا غير مجلس الفقراء.
هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما محاولة اغرائهم، لينحرفوا - ولو قليلا - عن استقامة الدعوة وصلابتها، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة. ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الامر هينا، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه ان يترك دعوته كلية، انما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق، وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور ان خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها، ولو بالتنازل عن جانب منها ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق. وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها، ولو يسير، وفي اغفال طرف منها ولو ضئيل، لا يملك ان يقف عندما سلم به أول مرة، لان استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء..