ولذلك يجب على كل عاقل يروم السعادة لنفسه والسلامة لها أن يجتهد - قدر الإمكان - في اكتساب فضائل الأخلاق التي هي التوسط والاعتدال المبرأ من الافراط والتفريط كما قال رسول الله (ص): خير الأمور أواسطها، وقال بعض الأدباء:
وغير هذا غلط.
خير الأمور الوسط.
وعلى العاقل أيضا أن يجتهد في اجتناب رذائل الأخلاق ومساوئها، وما لم تحصل التخلية لم يسعد أبدا كالمرآة ما لم تذهب الكدورات عنها لا تستعد لارتسام الصور فيها وكالبدن ما لم تزل عنه العلة لا تتصور له إفاضة الصحة وكالثوب أو القماش ما لم ينق عن الأوساخ لا يقبل لونا من الألوان.
الأخلاق الذميمة تحجب صاحبها عن المعارف ذلك لأن الأخلاق الذميمة تحجب صاحبها عن المعارف الإلهية والنفحات القدسية إذ هي بمنزلة الغطاء للنفوس والحجب لها عن الله وفيوضاته فإذا أزيل هذا الغطاء أو الحجاب منها استعدت لقبول الفيوضات من رب الأرباب ولم يبق - لشدة القرب بينهما - حجاب فترتسم فيها حينئذ صور حقائق الموجودات على ما هي عليها ويبقى صاحبها سائرا على الطريق السوي.