والعجيب في كلام ابن حزم أنه اعتبر أن جميع الفرق والاتجاهات التي كفرها وزندقها تتبرأ منها جميع فرق الإسلام وتكفرها وتجمع على أنها على غير الإسلام، فكيف يستقيم هذا الكلام..؟
هل هذا يعني أن هناك فرق أخرى غير الفرق المعروفة يعترف بها ابن حزم ولا يزندقها أهل السنة تشاركهم هذا الموقف تجاه هذه الفرق المزعومة؟
ويظهر لنا من كلام ابن حزم الجزم بتسطيح الآخرين وتبني الأفكار الساذجة في مواجهتهم وبدا وكأنه يصور لنا الاتجاهات الأخرى أنها لا تحوي رصيدا من الفكر والوعي والنصوص ولا تقوم بأمرها عناصر فقيهة، بل أنها أهل السفة والجهالة وأصحاب الأهواء، وهذا الموقف لا يتفرد به ابن حزم أنما هو موقف الفقهاء عموما من خصومهم شيعة ومعتزلة ومرجئة وقدرية وغيرهم، أن العلم والحق والرفعة والطهارة في جانبهم أما الجانب الآخر فهو يحوي الجهل والضلال والزندقة والبدعة وغير ذلك من التسميات التي أطلقوها على الخصوم ومن الأفكار الساذجة التي يتبناها ابن حزم والفقهاء تجاه الاتجاهات الأخرى تحميل الفرس مسؤولية ما نشأ وسط المسلمين من اتجاهات وتيارات خالفت الخط السائد وخاصمت أهل السنة، وكان المفروض أن يكون الأمر عكس ذلك أي أن العرب هم الذين يتحملون مسؤولية تأسيس هذه الاتجاهات والتيارات وتوطينها بين الفرس بحكم أنهم الشعب المغلوب، إلا أن القوم عكسوا الآية وجعلوا الغالب يدخل في دين المغلوب، وهم بهذا يستخفون بالعرب أكبرا استخاف ويؤكدون أن الإسلام لم يوطن في نفوسهم وأن التزامهم به كان التزاما قشريا..
ولقد كان الهدف من وراء فكرة ربط الفرس بالتيارات الإسلامية ضرب الشيعة على وجه الخصوص وإثارة الشبهات من حولهم، والتأكيد على أن الفرس تستروا بهم وبثوا أفكارهم المجوسية من خلال بعث فكرة آل البيت وجمع المسلمين من حولهم..
إلا أن الحقيقة فكرة آل البيت فكرة شرعية لها ما يدعمها من نصوص الكتاب والسنة وكذلك بقية أفكار الشيعة ومعتقداتهم.. (8) ونفس الحال ينطبق على أفكار المعتزلة والمرجئة والجهمية وحتى الخوارج فجميع هذه الاتجاهات تتسلح بالكتاب والسنة ولديها من البراهين والأسانيد ما تدعم به أفكارها ومعتقداتها..