ويظهر لنا من خلال أفكار ابن حنبل أنها استمدت جميعها من الروايات وأقوال الرجال أي السنة والأثر فمن ثم فهو رجل تقليدي يتعبد بنصوص التراث كما هي ولا يعطي لأتباعه فرصة إعمال العقل فيها كما لا يعطي لخصومه فرصه نقدها..
ولعل تمسك ابن حنبل بالروايات وأقوال السلف هو الذي جعل له شعبية وسط العامة الذين تجذبهم الروايات بدافع عشقهم للرسول (ص) وجيله، فقول الرسول أو الصحابي يجذب الناس ويستقطبهم أما الرأي فله خواصه من الناس..
وعندما توفي ابن حنبل أصبح قبره مزارا تحتشد الناس من حوله ووضعت الحراسات عليه، وقام الخليفة المستضئ بوضع بناء عليه نقش فيه مدحا وتمجيدا له وذلك في عام 574 ه ثم جاء فيضان دجلة فأزال القبر فاتجه الناس نحو قبر ولده عبد الله وأضفوا عليه القداسة التي كانوا يضفونها على قبر أبيه.. (8) - المدافع الثالث:
وقد حمل تراث ابن حنبل جيل من الحنابلة يساندهم قطاع من عوام بغداد انطلق يرهب الناس والمخالفين ويرفع راية التكفير والزندقة في مواجهتهم..
وإذا كان الأستاذ الإمام بهذا القدر من التطرف فكيف يكون حال تلاميذه؟
لا شك أن حجم مدافعهم سوف تكون أكبر وطلقاتهم سوف تكون أشد..
وهذا ما تشهد به وقائع التاريخ، فيما أطلق عليه المؤرخون فتن الحنابلة وهي حوادث وقعت في فترات متفرقة ضمن حدود بغداد موطن الحنابلة، كان ضحيتها المخالفين على الدوام فقهاء وعوام من السنة والشيعة..
وكان الحنابلة قد قويت شوكتهم بدعم من المتوكل العباسي ومن بعده من خلفاء بني العباس الذين عملوا على استثمارهم في تقوية نظام حكمهم وتصفية المعارضين لهم..
ومنذ ذلك الحين كثرت اعتداءاتهم على العامة والنساء في الطرقات والتفريق بينهما في الأسواق ومهاجمة الأسواق لمنع الاختلاط ومقاومة البدع..