ولأن الأنبياء ليس لهم شغل سوى الدين والوحي فمن غير الجائز عقلا نسبة النسيان أو الاهمال لهم في مسألة تتعلق بجوهر دورهم ومهمتهم كما تصور الرواية أن سليمان أهمل نصيحة الملك أو نساها. فهو لا يجوز أن يذكر بذلك من الأصل..
وتبرير الفقهاء لما نسب لسليمان ما زاد الطين إلا بلة إذ أن اختلاف الروايات في عدد نسوة سليمان دليل قاطع على ضعف الرواية وبطلانها (1)..
أما رواية النمل فهي من المطاعن التي ألحقها الرواة بالأنبياء وهي امتداد للروايات الأخرى التي قام بتأليفها أبو هريرة. والفقهاء يقرون بأن ذلك النبي ما كان يجب عليه أن يعاقب قرية النمل بأكملها وإنما كان يجب أن يعاقب النملة التي قرصته وحدها. فمن ثم فهو سلوك غير مبرر من نبي وانتقام لا يدل على نفس سوية. ومثل هذا الخلق لا يجوز أن ينسب لنبي مختار فهو يشكك في سلوكه ومواقفه ويصفها بالعداونية وعدم الأهلية للقيام بأعباء الرسالة (2)..
وختاما لهذا الباب نضع أمام القارئ رواية من روايات أبي هريرة شملت آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ثم رسولنا (ص). وهي رواية لا تختلف عن الروايات السابقة في شأن الأنبياء غير أن ما يميزها هو شمولها لهذا العدد من الأنبياء ضمن قضية واحدة هي قضية الشفاعة التي تصور الرواية فرار هؤلاء الأنبياء منها وإعلانهم صراحة عدم أهليتهم لقيام بها كاشفين عن أخطائهم التي أوجبت غضب الله عليهم مما حط من مكانتهم وقلل من شأنهم أمام الله بما يوجب عدم استحقاقهم للقيام بالشفاعة لأقوامهم الذين لم يجدوا نبيا مؤهلا للقيام بها سوى محمد (ص) فاندفعوا نحوه فقبل المهمة على الفور..
وما تبرز هذه الرواية هو الحط من قدر الأنبياء ورفع مقام نبينا عليهم حيث تبرز أن كل نبي له سيئة أوجبت الله عليه عدا رسولنا.
كما تبرز هذه الرواية أيضا أن الأنبياء والرسل تخلوا عن أقوامهم ونادوا بالنجاة لأنفسهم. وبهذا يكونوا قد تساووا مع أقوامهم..
.