دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين - صالح الورداني - الصفحة ٣١٧
أما الثالثة التي هي كذبة ليست في ذات الله حسب تعبير الرواية فهي كذبة ضارة لا تنم عن عقل وخلق وهو ما لا يجوز في حق إبراهيم (ع). فإن ادعائه بأن سارة شقيقته يفسد الأمر لا يصلحه وكان من الأولى أن يعترف بكونها زوجته.
وكيف لنبي أن يترك شقيقته لطاغية يعبث بها بينما هو يلجأ إلى الصلاة..؟
مثل هذا السلوك لا يبدر عن عامة الناس فكيف الحال بنبي مرسل..؟
والرواية لم تخبرنا هل كان إبراهيم يتوقع معجزة إلهية تنقذ سارة وهل أنبأ بهذا. أم أن القدرة الإلهية تدخلت في الوقت المناسب لتوقف الملك الطاغية عند حده؟
إن الرواية تهدف من أولها إلى آخرها إلى إلقاء الضوء على هاجر أم إسماعيل. ولكن أليس من الأفضل أن تبرز هاجر في حياء إبراهيم بسبيل آخر غير هذا السبيل الذي فيه امتهان لإبراهيم..؟
ولقد أغفل الفقهاء كعادتهم جوهر الرواية وانغمسوا في متاهات لغوية حول نصب ورفع كلمات وجمل الرواية في الوقت الذي ركزوا فيه على جملة تلك أمكم يا بني ماء السماء التي قالها أبو هريرة واختلفوا هل المقصود بقوله: العرب من ولد إسماعيل الذين اعتمدوا في حياتهم على الأمطار يرعون على أساسها دوابهم. أم أراد بها ماء زمزم الذي تفجر لهاجر وعاشت عليه هي وولدها وذريته (1)..
قال ابن حبان: كل من كان من ولد إسماعيل يقال له ماء السماء. لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي من ماء السماء (2)..
وتعد هذه من نوادر الفقهاء إذ اعتكفوا على قول أبي هريرة يمحصونه ويكشفون مراده وأهملوا إبراهيم وأهله. وكأنهم بهذا قد وضعوا أبو هريرة في مصاف حكماء الصحابة الذين لا يجب أن تهمل كلماتهم. وهو موقف طبيعي من أناس اعتبروه وارث علم الرسول والناطق بلسانه..

(١) أنظر هامش مسلم. كتاب الفضائل. وهامش اللؤلؤ والمرجان ح‍ ٣ / ١١٦. كتاب الفضائل. وانظر فتح الباري شرح كتاب الأنبياء..
(2) أنظر صحيح ابن حبان..
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست