صحيحان معا ولا منافاة بينهما. فالميت إنما تلزمه العقوبة بما تقدم من وصيته إليهم به وقت حياته وكان ذلك مشهورا من مذاهبهم. وعلى ذلك حمل الجمهور قوله: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " (1)..
ويظهر لنا من هذا الكلام أن الفقهاء لم يقتنعوا بنفي عائشة للرواية. كما لم يقتنعوا بالروايات الأخرى التي تؤكد هذا النفي والسبب واضح وهو أن القوم عز عليهم كثيرا أن ينفوا رواية لعمر وولده. إذ أن هذا يعني إتهامهما بالجهل وسوء التلقي من الرسول (ص) وهذا لا يصح في عقيدتهم التي تقوم على عبادة الرجال.
فسوف ينبني على مثل هذا الموقف التشكيك فيهما وفي رواياتهما التي يعتمد عليها القوم بالإضافة إلى روايات عائشة وأبي هريرة. فمن ثم هم اتخذوا موقفا وسطا وإن كان جاء على حساب رواية عائشة..
وقد عمد القوم فوق هذا كله إلى نسبه الفقر إلى الرسول (ص) وتصويره بمظهر المتسول الباحث عن شئ يأكله فلا يجد فيضطر إلى الاستدانة من أراذل الناس حتى أدى به الحال إلى رهن درعه عند يهودي ومات ودرعه مرهونة ويبدو أن حالة الفقر والجوع هذه كانت الدافع الأكبر لقبول الرسول شاة اليهودية المسمومة التي أودت بحياته وحياة غيره..
يروى: كان لرجل على رسول الله (ص) دين. فهم به أصحابه. فقال:
" دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ". وقال " اشتروا له سنا فأعطوها إياه " (2)..
ويروى: أن رسول الله كان يقول " اللهم أحيني فقيرا وأمتني فقيرا واحشرني في زمرة الفقراء "..
ويروى أن رسول الله مات ودرعه مرهونة عند يهودي (3)..