النبي ومستقبل الدعوة - مروان خليفات - الصفحة ٤٥
فهل الحكمة في أن ينص الله على كل أحكامه، ليطمئن المسلم إلى حكم الله، وتستقيم تربيته التشريعية؟ أم الحكمة في ترك أحكامه للاجتهاد المبني على الظن، الذي يؤدي إلى تعدد الآراء والمذاهب والقتال والتكفير فيما بين اتباعها؟!
نعم هذه هي الحكمة التي أشار إليها الأستاذ خلاف، ولا يوجد غيرها وقد عاشها المسلمون، وما زالوا يعيشونها من تكفير لبعضهم البعض، وأنا أجزم أن انقسام هذه الأمة إلى فرق ومذاهب لم يحدث إلا بسبب إقصاء النخبة التي تمثل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مواقعهم التي خصهم الله سبحانه بها، فلو بقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيا إلى يوم القيامة مع طاعة الناس له لما حدث أي انقسام أو خلاف بينهم، وهكذا لو أطاع الناس خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من آل بيته (عليهم السلام) لما تمزقت أمته (صلى الله عليه وآله وسلم) شيعا متنافرة في دينه الذي جاء ليؤلف بين قلوب الناس وليس لتشتيتهم.
أتى رجل من أهل الشام ليناظر الإمام الصادق (عليه السلام) (1) وأصحابه، فتصدى له هشام بن الحكم (2) فقال له: " يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟
فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه.
قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟
قال: أقام لهم دليلا كي لا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم.

(1) هو الإمام السادس من أئمة آل البيت الاثني عشر (عليهم السلام)، وهو أستاذ أبي حنيفة رغم أنه يصغره بسنتين، أنظر كتابنا " وركبت السفينة " 554 - 564.
(2) أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) المقربين، وقد نسبت إليه كثير من الاتهامات الباطلة.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست