وإن كانوا في نشأة الدنيا على غفلة إلا أنهم إذا كان يوم البعث عادوا إلى مشاهدتهم ومعاينتهم وذكروا ما جرى بينهم وبين ربهم، ولو لم يفعل الله تعالى هذا ولم يشهد كل فرد على نفسه. لأقاموا جميعا الحجة عليه يوم القيامة. بأنهم كانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيته. ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة (1).
فعلى هذه الفطرة يولد الإنسان. قال رسول الله (ص) " كل مولود يولد على الفطرة " يعني على المعرفة بأن الله عز وجل خالقه (2) ولما كانت المعرفة قد ثبتت عند المقدمة ونسي الإنسان الموقف في الدنيا وسيذكره في الآخرة، فإن الله سبحانه قد أقام على الإنسان الحجج في الدنيا لقوله على ما ثبت عند المقدمة. وتكون زادا له في سلوكه نحو الآخرة. ومن هذه الحجج ما هو ضمن النسيج الإنساني. قال تعالى:
* (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين " (3) قال في الميزان: أي جهزنا الإنسان في بدنه بما يبصر به فيحصل له العلم بالمرئيات على سعة نطاقها، وجعلنا له لسانا وشفتين يستعين بهما على التكلم والدلالة على ما في ضميره من العلم، وعلمناه طريق الخير وطريق الشر بإلهام منا فهو يعرف الخير ويميزه من الشر. قال تعالى:
* (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) * (4). قال في الميزان: أي إنه تعالى عرف الإنسان صفة فعله من تقوى أو فجور، وميز له ما هو تقوى مما هو فجور (5).
ومن هذه الحجج أيضا ما هو تحت سقف الكون الواسع.