(ب) ولقد جاء في الفصلين التاسع والثلاثين بعد المائة والأربعين بعد المائة من إنجيل برنابا عن حديث المسيح عن بيع يهوذا له وتسليمه لأعدائه، وأنه سيرحل عن العالم:
" أما يسوع، فوجده الذي يكتب ويعقوب ويوحنا، فقالوا وهم باكون:
" يا معلم لماذا هربت منا؟ فقد طلبناك ونحن حزانى، بل إن التلاميذ كلهم طلبوك باكين "، فأجاب يسوع: " إنما هربت، لأني علمت أن جيشا من الشياطين يهيئ له ما سترونه بعد برهة وجيزة، فسيقوم على رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وسيطلبون أمرا من الحاكم الروماني بقتلي، لأنهم يخافون أن أغتصب ملك إسرائيل! وعلاوة على هذا فإن واحدا من تلاميذي يبيعني ويسلمني كما بيع يوسف إلى مصر، ولكن الله العادل سيوثقه كما يقول النبي داود:
" من نصب فخا لأخيه، وقع فيه "، ولكن الله سيخلصني من أيديهم، وسينقلني من العالم، فخاف التلاميذ الثلاثة، ولكن يسوع عزاهم قائلا: " لا تخافوا، لأنه لا يسلمني أحد منكم "، فكان لهم بهذا شئ من العزاء، وجاء في اليوم التالي ستة وثلاثون تلميذا من تلاميذ يسوع، مثنى مثنى، ومكث في دمشق ينتظر الباقين، وحزن كل منهم، لأنهم عرفوا أن يسوع سينصرف من العالم، لذلك فتح فاه، وقال: " إن من يسير دون أن يعلم إلى أين يذهب، لهو تعيس، وأتعس منه من هو قادر ويعرف كيف يبلغ نزلا حسنا، ومع ذلك يريد أن يمكث في الطريق القذرة والمطر وخطر اللصوص! قولوا لي أيها الإخوة!
هل هذا العالم وطننا؟ لا البتة! فإن الإنسان الأول طرد إلى العالم منفيا، فهو يكابد فيه عقوبة خطأه، أيمكن أن يوجد منفي لا يبالي بالعودة إلى وطنه الغني، وقد وجد نفسه في الفاقة؟ حقا إن العقل لينكر ذلك، ولكن الاختبار يثبته بالبرهان، لأن محبي العالم لا يفكرون في الموت، بل عندما يكلمهم عنه أحد، لا يصغون إلى كلامه! صدقوني أيها القوم أني جئت إلى العالم بامتياز، لم يعط إلى بشر حتى أنه لم يعط لرسول الله، لأن إلهنا لم يخلق الإنسان ليبقيه في العالم، بل ليضعه في الجنة... وسليمان نبي الله يصرخ معي " ما أمر ذكراك