المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٣٢٠
مستلزم للسفول، وعلم أن السماء فوق الأرض مطلقا، لا يتصور أن تكون تحتها قط وإن كانت مستديرة محيطة، وكذلك كلما علا كان أرفع وأشمل.
وعلم أن الجهة قسمان: قسم ذاتي: وهو العلو والسفول فقط، وقسم إضافي: وهو ما ينسب إلى الحيوان بحسب حركته؛ فما أمامه يقال له أمام، وما خلفه يقال له خلف، وما عن يمينه يقال له اليمين، وما عن يسرته يقال له اليسار، وما فوق رأسه يقال له فوق، وما تحت قدميه يقال له تحت، وذلك أمر إضافي، أرأيت لو أن رجلا علق رجليه إلى السماء ورأسه إلى الأرض؛ أليست السماء فوقه وإن قابلها برجليه؟! وكذلك النملة أو غيرها لو مشى تحت السقف مقابلا له برجليه وظهره إلى الأرض؛ لكان العلو محاذيا لرجليه وإن كان فوقه، وأسفل سافلين ينتهي إلى جوف الأرض.
والكواكب التي في السماء وإن كان بعضها محاذيا لرؤسنا وبعضها في النصف الآخر من الفلك؛ فليس شيء منها تحت شيء، بل كلها فوقنا في السماء، ولما كان الإنسان إذا تصور هذا يسبق إلى وهمه السفل الإضافي، كما احتج به الجهمي الذي أنكر علو الله على عرشه، وخيل على من لا يدري أن من قال: إن الله فوق العرش؛ فقد جعله تحت نصف المخلوقات، أو جعله فلكا آخر، تعالى الله عما يقول الجاهل.
إذا تبين أنا نعرف ما قد عرف من استدارة الأفلاك؛ علم أن المنكر له مخالف لجميع الأدلة، لكن المتوقف في ذلك قبل البيان فعل الواجب، وكذلك من لم يزل يستفيد ذلك من جهة لا يثق بها؛ فإن النبي (ص) قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» (1)، وإن كون بعض الحركات

(1) [صحيح]. رواه أبو داود في (العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب، 3644)، وأحمد في «المسند» (4 / 136) من حديث أبي نملة الأنصاري رضي الله عنه. وانظر: «السلسلة الصحيحة» (2800).
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»