بغيره صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أن يقال إنما استسقى بالعباس ولم يستسق بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن العباس حي والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات، لأن الاستسقاء إنما يكون بالحي، لأن هذا القول باطل مردود بأدلة كثيرة: منها توسل الصحابة به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كما تقدم في القصة التي رواها عثمان بن حنيف، وكما في حديث بلال ابن الحارث المتقدم، وكما في توسل آدم الذي رواه عمر رضي الله عنه كما تقدم، فكيف يعتقد عدم صحته بعد وفاته، وقد روى التوسل به قبل وجوده مع أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره.
فتلخص من هذا أنه يصح التوسل به صلى الله عليه وسلم قبل وجوده وفي حياته وبعد وفاته، وأنه يصح التوسل أيضا بغيره من الأخيار كما فعله عمر رضي الله عنه حين استسقى بالعباس رضي الله عنه، وذلك من أنواع التوسل كما تقدم، وإنما خص عمر العباس رضي الله عنهما من سائر الصحابة لا ظهار شرف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولبيان أنه يجوز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل فإن عليا رضي الله عنه كان موجودا وهو أفضل من العباس رضي الله عنه.
قال بعض العارفين: وفي توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما دون النبي صلى الله عليه وسلم نكتة أخرى أيضا زيادة على ما تقدم، وهي شفقة عمر رضي الله عنه على ضعفاء المؤمنين وعوامهم، فإنه لو استسقى بالنبي صلى الله عليه وسلم لربما تتأخر الإجابة لأنها معلقة بإرادة الله ومشيئته، فإذا تأخرت الإجابة ربما يقع وسوسة واضطراب لمن كان ضعيف الإيمان بسبب تأخر الإجابة، بخلاف ما إذا كان التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إذا تأخرت الإجابة لا تحصل تلك الوسوسة والاضطراب.
والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل وجوازه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين كما دلت عليه الأحاديث السابقة لأنا معاشر أهل السنة لا نعتقد تأثيرا ولا خلقا ولا إيجادا ولا إعداما ولا نفعا ولا ضرا إلا لله وحده لا شريك له، فلا نعتقد تأثيرا ولا نفعا ولا ضرا للنبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الخلق والإيجاد والتأثير ولا لغيره من الأحياء والأموات، فلا فرق في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وكذا بالأولياء والصالحين لا فرق بين كونهم أحياء أو أمواتا