امتازوا بها عند الله تعالى ورسوله عن سائر الأولياء تقتضي تعظيمهم لمجرد القرابة والصحابة وهم مع ذلك درجات بحسب ما عندهم من الفضل والتقوى ومحاسن الصفات.
وأما الأولياء وهم المؤمنون المتقون والعلماء العالمون والغزاة المجاهدون فهم إنما يمتازون عن غيرهم بعلمهم وتقواهم وما فضلهم الله به من الكرامات وخوارق العادات، وما خدموا به هذه الشريعة المحمدية ونفعوا به الأمة الإسلامية من العلوم والمعارف والفتوحات والذب عن المسلمين والإسلام: بعضهم بحد القلم، وبعضهم بحد الحسام، فمتى ثبت عند المسلمين: إما بالمشاهدة أو التواتر أو نقل الثقات من المؤلفين وغيرهم أن فلانا كان من الأولياء العارفين أو من العلماء العاملين أو من المؤمنين الصالحين أو من الشهداء والمجاهدين يعظمونه بالزيارة والتوسل بحسب ما ثبت في نفوسهم من درجة قربه إلى الله تعالى وحسن طاعته لمولاه عز وجل، ولا يعظمون أحدا منهم لذاته أصلا; فالتعظيم كله راجع لله تعالى فهو لا شك من جملة الطاعات له عز وجل التي يؤجرون عليها إن شاء الله تعالى، ولو فرضنا أن بعض أولئك المزارين ليس كما ظنه بهم الزائرون من الولاية والصلاح، فهم بذلك إنما والوا أولياء الله وأحبوهم في الله وهم يعلمون يقينا أنه لا أحد من خلق الله يستحق معه تعالى ذرة من التعظيم لذاته، بل ذلك كله راجع له سبحانه وتعالى بالأصالة، وهو من فضله الذي تكرم عليهم بالأوصاف الجميلة التي ميزهم بها عن سائر عبيده، فنالوا منهم لأجله ذلك التكريم والتعظيم وخلع عليهم حلل كرامته في حياتهم وبعد مماتهم وفي دنياهم وآخرتهم وهو البر الكريم; فمن حاول من تلك الشر ذمة الشاذة شر ذمة ابن تيمية أن لا يعظم أحدا من خواص عبيد الله الصالحين زاعما أن ذلك يخل بتعظيم الله تعالى فقد خالف الحق وعكس الحقيقة وتعدى برأيه الفاسد على حقوق الله تعالى وأخل بذلك في تعظيمه اللائق بأوصاف ربوبيته وسيادته المطلقة، وأراد أن يحجر عليه عز وجل اختياره المطلق في تخصيص من شاء من الأصفياء عبيده بالأوصاف الجميلة التي تقربهم إليه وتحمل الناس على تعظيمهم لأجله والتوسل بهم لديه سبحانه وتعالى وبعكس حب المسلمين لأولياء الله تعالى بغضهم لأعدائه عز وجل، فتراهم يبغضونه أحياء وأمواتا وما ذاك إلا محبة في الله تعالى، وهم مكلفون شرعا بموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه سبحانه وتعالى، وكم من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وردت في ذلك دلت على كثرة اعتناء الشارع بالحب في الله والبغض في الله كما وردت آيات وأحاديث كثيرة في الثناء على أنبياء الله تعالى وعباده الصالحين، ولا سيما حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم، أليس ذلك من تعظيم الله تعالى لهم حبه إياهم; كما