تعظيم له سبحانه وتعالى، وليس هذا من العلوم الدقيقة التي تختص بها العلماء الأعلام ولا تدركها العوام، بل هو من الأمور التي تدرك بالبداهة، وقد جبلت عليها طبائع الناس عالمهم وجاهلهم، إذا استوى أدنى الناس عقلا وأكثرهم فضلا في معرفة أن إكرام عبيد السلطان وأتباعه وتعظيمهم هو من أحسن وجوه التقرب إليه لقضاء حوائجهم عنده، وكلما كان ذلك العبد أو التابع أقرب له وأحب إليه كان إكرامه وتعظيمه والتوسل به إليه أقرب في نجاح الحاجة وحصول المقصود، كما أنه يغضبه تحقير عبيده وأتباعه فيترتب على ذلك سخطه كما ترتب على تعظيمهم وإكرامهم رضاه، وهكذا الأمر هنا في تعظيم أنبياء الله تعالى وأصفيائه وخواص عبيده، فهو من أقوى أسباب رضاه تعالى كما أن تحقيرهم من أقوى أسباب غضبه عز وجل.
واعلم أنه لا عبرة في المحاذير الموهومة التي ذكروها لأنها فضلا عن كونها لا مقبولة ولا معقولة هي إلى الآن في كل هذه الأعصار لم يحصل منها شئ، فلم يترتب على زيارتهم، والاستغاثة بهم دعوى الألوهية في أحد منهم من المستغيثين والزائرين، والحمد لله رب العالمين.
وأنت إذا نظرت إلى كل فرد فرد من أفراد المسلمين عامتهم وخاصتهم لا تجد في نفس أحد منهم غير مجرد التقرب إلى الله تعالى لقضاء حاجاتهم الدنيوية والأخروية، بالاستغاثات والزيارات لأولئك السادات مع علمهم بأنهم عبيد الله تعالى ليس لهم " من الأمر شئ " فقلوب المسلمين وجوارحهم ولحمهم ودمهم مجبولة - والحمد لله - على توحيد الله تعالى واعتقاد أنه الفعال المطلق المستحق للتعظيم بالأصالة وحده لا شريك له، وتعظيمهم لسواه من خواص عبيده إنما يكون بقدر منزلة ذلك العبد عند الله تعالى بحسب ما علموه، فهم يعظمون حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم أكثر من سائر الخلق لعلمهم أنه أحب عبيده تعالى إليه وأقربهم لديه، ثم يعظمون بعده الأنبياء المرسلين أكثر من غير المرسلين لأن درجاتهم في الفضل تلي درجته صلى الله عليه وسلم، ثم يعظمون بعدهم سائر الأنبياء أكثر من الأولياء لعلمهم بأنهم أفضل منهم عند الله تعالى، ثم يعظمون أهل بيته وأصحابه صلى الله عليه وسلم بحسب ما علموه من درجاتهم عند الله ورسوله، وكذلك سائر الأولياء يعظمونهم بحسب ما ثبت في نفوسهم من قربهم من الله تعالى.
أما آل النبي وأصحابه رضي الله عنهم، فقد جعلت لهم هذه القرابة والصحبة مزية (10 - شواهد الحق)