* (فصل) * فإن قلت فإذا انفك قلب الولي عن التقليد ورأى المذاهب كلها متساوية في الصحة لاغترافها كلها من بحر الشريعة كشفا ويقينا فكيف يأمر المريد بالتزام مذهب معين لا يرى خلافه فالجواب إنما يفعل ذلك مع الطالب رحمة به وتقريبا للطريق عليه ليجمع شتات قلبه ويدوم عليه السير في مذهب واحد فيصل إلى عين الشريعة التي وقف عليها إمامه وأخذ منها مذهبه في أقرب زمان لأن من شأن المجتهد أن لا يبني قوله على قول مجتهد آخر ولو سلم له صحة مذهبه حفظا لقلوب أتباعه عن التشتت وقد قالوا حكم من يتقيد بمذهب مدة ثم بمذهب آخر مدة وهكذا حكم من سافر بقصد موضع معين بعيد ثم صار كلما بلغ ثلث الطريق أداه اجتهاده أنه لو سلك إلى مقصده من طريق كذا لكان أقرب من هذا الطريق فيرجع عن سيره ويعود قاصدا ابتداء السير من أول تلك الأخرى فإذا بلغ ثلثها مثلا أداه اجتهاده إلى أن سلوك غيرها أيضا أقرب لمقصده ففعل كما تقدم له وهكذا فمثل هذا ربما أفنى عمره كله في السير ولم يصل إلى مقصده المعين الذي هو مثال عين الشريعة التي وصل إليها إمامه أو غيره من أصحاب تلك المذاهب على أن انتقال الطالب من مذهب إلى مذهب فيه قدح في حق ذلك الإمام الذي انتقل عن مذهبه على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى في فصل حكم المنتقل من مذهب إلى مذهب ولو صدق هذا الطالب في صحة هذا الاعتقاد في أن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم لما طلب الانتقال من مذهب إلى غيره بل كان يشهد أن كل مذهب عمل به وتقيد عليه أوصله إلى باب الجنة كما سيأتي بيانه آخر هذا الباب في فصل الأمثلة المحسوسة للميزان إن شاء الله تعالى * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول إنما أمر علماء الشريعة الطالب بالتزام مذهب معين وعلماء الحقيقة المريد بالتزام شيخ واحد تقريبا للطريق فإن مثال عين الشريعة أو حضرة معرفة الله عز وجل مثال الكف ومثال مذاهب المجتهدين وطرق الأشياخ مثال الأصابع ومثال أزمنة الاشتغال بمذهب ما أو طريق شيخ ما مثال عقد الأصابع لمن أراد الوصول إلى مس الكف لكن من طريق الابتداء بمس عقد الأصابع فكل عقدة من عقد الأصابع الثلاث بمثابة وصول الطالب إلى ثلث الطريق إلى سلوك عين الشريعة أو عين المعرفة التي مثلناها بالكف فإذا كان مدة سلوك المريد أو الطالب في العبادة ثلاث سنين ويصل إلى عين الشريعة أو حضرة المعرفة بالله تعالى فتقيد بمذهب أو شيخ سنة ثم ذهب لآخر سنة ثم لآخر سنة فقد فوت على نفسه الوصول ولو أنه جعل الثلاث سنين على يد شيخ واحد لأوصله إلى عين الشريعة أو حضرة المعرفة بالله تعالى فساوى صاحب مذهبه في العلم أو شيخه في المعرفة لكن فوت على نفسه بذهابه من مذهب أو شيخ إلى آخر لما تقدم من أنه لا يصح أن يبني مجتهد أو شيخ له على مذهب غيره أو طريق غيره فكأنه مقيم مدة سيره الثلاث سنين في أول عقدة من عقد الأصابع التي هي كناية عن ثلث الطريق ولو أنه دام على شيخ واحد لوصل إلى مقصوده ووقف على العين الكبرى للشريعة وأقر سائر المذاهب المتصلة بها بحق فافهم والحمد لله رب العالمين * (فصل) * فإن قلت هذا في حق العلماء بأحكام الشريعة والحقيقة فما تقولون في أقوال
(٢٥)