المتجاهرين بمعاصيهم وذلك لما فيه من الاطلاع على عورات الناس ويسمى ذلك بالكشف الشيطاني عند بعض القوم وأنه يجب على صاحبه سؤال الله تعالى أن يحول بينه وبينه فإن قال قائل فما تقولون فيمن له حال يحميه من أهل المنكر إذا أنكر عليهم وكسر إناء خمرهم هل يجب عليه تغييره باليد أو اللسان اعتمادا على أن الله تعالى لا يخذله أو لا يجب من حيث إن الحق تعالى لا تقيد عليه فالجواب مثل هذا تأتي فيه المرتبتان فمن الأولياء من ألزمه بذلك إذا علم أن له حالا يحميه ومنهم من لم يلزمه بذلك نظير ما قالوا فيمن قدر على أن يصل إلى مكة في خطوة والحمد لله رب العالمين * (فصل) * فإن قلت فمن يقول إن القياس من جملة الأدلة الشرعية فهل تأتي فيه كذلك مرتبتا الميزان فالجواب نعم تأتيان فيه فإن من العلماء من كره القياس في الدين ومنهم من أجازه من غير كراهة ومنهم من منعه فإنه طرد علة وما يدري العبد بأن الشارع قد لا يكون أراد طرد تلك العلة وإنما ترك ذلك الأمر خارجا عن ذلك الحكم توسعة على أمته وذلك كقياس الأرز على البرقي باب الربا يجامع الاقتيات فإن الشارع لم يبين لنا حكم الأرز فكان الأولى بالأدب عند بعض أهل الله تعالى إبقاءه على عدم دخول الربا فيه كما أشار إليه حديث وسكت عن أشياء رحمة بكم فمن يقول بقياس الأرز على البر مشدد ومن يقول بعدم قياسه مخفف وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يقدرون على القياس ولكنهم تركوا ذلك أدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هنا قال سفيان الثوري من الأدب إجراء الأحاديث التي خرجت مخرج الزجر والتنفير على ظاهرها من غير تأويل فإنها إذا أولت خرجت عن مراد الشارع كحديث من غشنا فليس منا وحديث من تطير أو تطير له وحديث ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية فإن العالم إذا أولها بأن المراد ليس منا في تلك الخصلة فقط أي وهو منافي غيرها هان على الفاسق الوقوع فيها وقال مثل المخالفة في خصلة واحدة أمر سهل فكان أدب السلف الصالح بعدم التأويل أولى بالاتباع للشارع وإن كانت قواعد الشريعة قد تشهد أيضا لذلك التأويل * وقد دخل جعفر الصادق ومقاتل بن حبان وغيرهما على الإمام أبي حنيفة وقالا له قد بلغنا أنك تكثر من القياس في دين الله تعالى وأول من قاس إبليس فلا تقس فقال الإمام ما أقوله ليس هو بقياس وإنما ذلك من القرآن قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شئ فليس ما قلناه بقياس في نفس الأمر وإنما هو قياس عند من لم يعطه الله تعالى الفهم في القرآن انتهى ومن هنا يعلم أن أهل الكشف غير محتاجين إلى القياس لاستغنائهم عنه بالكشف فإن أورد عليهم شخص نحو تحريم ضرب الوالدين فإنه ليس في القرآن التصريح بتحريم ضربهما وإنما أخذ العلماء ذلك من قوله تعالى فلا تقل لهما أف فكان النهي عن ضربهما من باب أولى فالجواب أن هذا لا يرد على أهل الكشف لأن الله تعالى قال وبالوالدين إحسانا ومعلوم أن ضربهما ليس بإحسان فلا حاجة إلى القياس * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول يصح دخول القياس عند من احتاج إليه وعند من لم يحتج إليه في مرتبتي الميزان فمن كلف الإنسان بالفحص عن الأدلة واستخراج النظائر من القرآن شدد ومن لم يكلفه بذلك فقد خفف ولم يزل
(٢٠)