فمعنى قتل (مسلم وهانئ)، أن الجبهة كلها قد انهارت، وأن أهل الكوفة - على أحسن الظنون بهم - قد باتوا عاجزين عما كانوا قد جندوا أنفسهم له.
وهذا كاف لكي يلوي (الحسين) زمام قافلته ويعود.
لكن تصميمه الوثيق يقوده.. وقدره العظيم كان يناديه..!!
سار - رضي الله عنه - يقطع الصحارى المتلظية، مجتازا في مشقة وكبد، أغوارها ونجودها.. معانيا لفحها الضارب كريح السموم، حتى بلغ مكانا يدعى (بطن الرمة)، فحط رحاله، وضرب خيامه ليستريح ومن معه..
ثم كتب لأهل الكوفة يخبرهم أنه في الطريق إليهم، وأعطى الكتاب واحدا من أصحابه هو: " قيس بن مسهر الصيداوي " وأمره أن يسبقه به إلى الكوفة.
ومضى (قيس) لسبيله.. بيد أنه لم يكد يبلغ القادسية حتى لقيته قوات ابن زياد، فاعتقله وصحبته معها إلى الكوفة.
وهنا نرى مشهدا بطلا، لرجل بطل!!
فقد أمره ابن زياد أن يشرف على الناس من شرفة قصره، ويلعن (الحسين).. ويعلن على الملأ أنه - حاشاه ثم حاشاه - كذاب وابن كذاب!!
وتظاهر (قيس) بالطاعة، وصعد مع الحرس إلى حيث أراد ابن مرجانة.
ثم ألقى على الجموع التي جمعوها وحشدوها نظرة وابتسامة ثم صاح:
(أيها الناس...
(إن (الحسين بن علي) من خير خلق الله، فأجيبوه وانصروه.. وإن الكذاب بن الكذاب، هو عبيد بن زياد فالعنوه والعنوا أباه)..!!