وركبت السفينة - مروان خليفات - الصفحة ٥٢١
فقال: إذا دخلت مسجد رسول الله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبد الله، مؤتزرا إلى أنصاف ساقيه...
أما عاداته في معيشته، فكان ملاكها لطف الحسن، وجمال الذوق، والقصد في تناول كل مباح. كان يحب الطيب والبخور، ويأنق للزهر والريحان..
وروى أنس بن مالك أنه كان عنده، فدخلت عليه جارية بيدها طاقة من ريحان، فحيته بها. فقال لها: " أنت حرة لوجه الله تعالى " فسأله أنس متعجبا: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟ قال: " كذا أدبنا الله.. قال تبارك وتعالى: ﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها﴾ (1).. وكان أحسن منها عتقها "..
وقد عاش سبعا وخمسين سنة بالحساب الهجري، وله من الأعداء من يصدقون ويكذبون... فلم يعبه أحد منهم بمعابة ولم يملك أحد منهم أن ينكر ما ذاع من فضله، حتى حار معاوية بعيبه حين استعظم جلساؤه خطاب الحسين له " (2).
وقبل خروج الحسين (عليه السلام) ثائرا ضد يزيد، أوصى أخاه محمد بن الحنفية فقال:
"... وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين " (3).
وخطب الحسين (عليه السلام) حين خرج إلى العراق فقال: " خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى الله رضانا

١ - النساء: ٨٦.
2 - راجع المجموعة الكاملة لعباس محمود العقاد، المجلد الثاني، الحسين أبو الشهداء: ص 191 - 196.
3 - نفس المهموم: ص 25.
(٥٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 ... » »»