وركبت السفينة - مروان خليفات - الصفحة ١٩٦
وعن ابن عباس قال: " ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن... " (1).
" وهكذا نلاحظ اتجاها لدى الصحابة إلى العزوف عن السؤال إلا في حدود المشاكل المحددة الواقعة، وهذا الاتجاه هو الذي أدى إلى ضآلة النصوص التشريعية (2) التي نقلوها عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي أدى بعد ذلك إلى الاحتياج إلى مصادر أخرى غير الكتاب والسنة كالاستحسان والقياس... وهذا الاتجاه أبعد ما يكون عن عملية الإعداد الرسالي الخاص التي كانت تتطلب تثقيفا واسعا لذلك الجيل وتوعية له على حدود الشريعة للمشاكل التي سوف يواجهها عبر قادته " (3).
إن تهيب الصحابة من السؤال واعتمادهم على الأعراب لا يتلاءم مع طبيعة المهمة الملقاة على عاتقهم. فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن أن يعيش إلا لفترة محددة، فكان على الصحابة أن يبدأوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسؤال أو يبتدئهم النبي بالسؤال إذا فكر أن يجعلهم القيمين بعده على دعوته، ولكن لم يحدث هذا بالمستوى المطلوب.
فلقد بقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقى الإسلام من جبريل (عليه السلام) ثلاثا وعشرين سنة دون انقطاع، وهناك أكثر من مائة ألف صحابي رأوا النبي لفترة قصيرة، فكيف يصح أن يقال: إن هؤلاء الصحابة قيمون على الدعوة، بينما الغالب منهم قد عاش مع النبي لفترة قصيرة؟ فهل استوعبوا الإسلام الذي استمر نزوله ثلاثا وعشرين سنة في أيام؟!
لذلك كله نحن نؤكد على: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يهتم بأحد صحابته منذ بداية الدعوة، وأنه قد عبأه تعبئة فكرية وروحية كاملة، وهذا هو المفترض من نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم).

١ - سنن الدارمي: ١ / ٥١. مجمع الزوائد: ١ / 158. الطبراني في الكبير. الإتقان، السيوطي.
2 - بلغت أحاديث الأحكام عند أهل السنة قرابة 5274 حديثا، راجع تاريخ التشريع الإسلامي: الفضلي، ص 28.
3 - بحث حول الولاية: ص 43 - 44.
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 193 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»