منع تدوين الحديث - السيد علي الشهرستاني - الصفحة ٤١
إذن، الحديث كان هو السبب الأول للوقوف أمام الخليفة، والمحدثون كانوا هم ممن يزيدون في الطين بلة والاختلاف شدة - حسب نظر الخليفة - ولأجل هذا ترى الخليفة يصرح بجرمهم - حين أراد حبسهم عنده في المدينة - بأنهم أكثروا الحديث عن رسول الله أو أفشوا الحديث عن رسول الله، فإكثار الحديث وإفشائه يساوي التوعية عند الناس، والخليفة لا يريد أن يعرف الناس أحاديث رسول الله كي يقفوا بوجهه ويخطؤه فيما يقوله، لأن ذلك سيؤثر على قوام خلافته، أما تناقل الأحاديث التي يعرفها الخليفة فلا خوف في تناقلها.
بلى، إن الناس كانوا يريدون الوقوف على سنة رسول الله لا سنة الشيخين، والخليفة لا يعرفها جميعا، فبدا يواجه مشكلة جديدة ينبغي أن يضع لها الحل، لأن المحدثين من الصحابة وبنقلهم الأحاديث عن رسول الله سيوقفون الناس على وهن رأي الخليفة وبعده عن الشريعة، وهذا سيسبب التشكيك في خلافته.
ومن أجل هذا رأى أن لا محيص من أن يمنع من التحديث أولا ثم يشرع الاجتهاد والرأي، كي يكون أصلا ثالثا في التشريع الإسلامي (1)،

١ - جاء في كنز العمال ٢ / ٣٣٣ ح ٤١٦٧: عن إبراهيم التيمي أنه قال: خلا عمر بن الخطاب ذات يوم فجعل يحدث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيما نزل، وأنه يكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن لا يعرفون فيم نزل، فيكون لكل قوم رأي، فإذا كان لكل قوم رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا، فزجره عمر (انتهره) وانصرف ابن عباس، ثم دعاه بعد، فعرف الذي قال ثم قال: أيها أعد.
وحكى القاضي نعمان المغربي في شرح الأخبار (١ / ٩٠): أن سائلا سأل الصادق فقال: يا ابن رسول الله من أين اختلفت هذه الأمة فيما اختلفت فيه من القضايا والأحكام (من الحلال والحرام) ودينهم واحد ونبيهم واحد؟ فقال (عليه السلام): هل علمت أنهم اختلفوا في ذلك أيام حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: لا، وكيف يختلفون وهم يردون إليه ما جهلوه واختلفوا منه؟ فقال: وكذلك، لو أقاموا فيه بعده من أمرهم بالأخذ عنه لم يختلفوا، ولكنهم أقاموا فيه من لم يعرف كل ما ورد عليه فردوه إلى الصحابة يسألونهم عنه فاختلفوا في الجواب فكان سبب الاختلاف، ولو كان الجواب عن واحد والقصد في السؤال عن واحد كما كان ذلك لرسول الله لم يكن الاختلاف.
وجاء في تفسير العياشي ٢ / ٣٣١:... فظن هؤلاء الذين يدعون أنهم فقهاء علماء قد أثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الأمة!! وليس كل علم رسول الله علموه ولا صار إليهم من رسول الله ولا عرفوه، وذلك أن الشئ من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه أثر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويستحيون أن ينسبهم الناس إلى الجهل ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبون فيطلب العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الآثار ودانوا بالبدع وقد قال رسول الله: كل بدعة ضلالة، فلو أنهم إذا سئلوا عن الشئ من دين الله فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول الله ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمد....
وجاء عن رسول الله قوله: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
(انظر: جامع المسانيد والسنن لابن كثير ٢٦ / ٣٠٩ و ٢٣١).
وجاء عن الإمام علي مثل هذا (راجع: نهج البلاغة ١ / 95 الخطبة 49).
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست