مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ٣٠٥
ما يكون.
وبالتأمل في هذه الصحيحة يظهر سر تسميتها بالمحدثة، ولولا السنخية مع الملاء الاعلى بلطافة روحها عن كدورات عالم المادة، لم يتيسر لها مجالسة روح القدس، وهذا وجه تسميتها بالحوراء الإنسية.
ولا عجب من وصولها إلى هذه المقامات العالية، وطيها درجات مرقاة الكمال، إلى أن وصلت إلى مرتبة توجب حيرة الكمل، فان الإنسان يمتاز عن سائر الخلق بتركبه من الشهوة والغضب، والعقل والإرادة، فان صارت الإرادة مقهورة للشهوة والغضب يتنزل إلى مرتبة الحيوانية {أولئك كالانعام بل هم أضل} (1) وان صارت مقهورة للعقل يصر الإنسان بالقوة انسانا بالفعل، وبغلبة جنود العقل على جنود الجهل يتسلط على نفسه ويصعد بروحه من حضيض الأرض إلى ملكوت السماء.
والكمال كل الكمال أن تصير الإرادة مقهورة لأمر الله، والرضا والغضب تابعين لرضا الله وغضب الله تعالى، فإذا بلغ العبد إلى أن يرضى لرضا الرب ويغضب لغضبه على الإطلاق، بحيث لا يتخلف رضاه وغضبه عن رضا الله وغضبه في حال من الأحوال، يصل إلى مرتبة العصمة المطلقة.
وقد صحح عند العامة وإلى الخاصة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضا لرضاك (2)، فإذا كانت العصمة المطلقة المستلزمة لإمامة الناس أن يرضى العبد برضى الرب ويغضب لغضبه بقول مطلق، فكيف تصل الأفكار إلى مقام الصديقة التي يرضى الرب لرضاها ويغضب لغضبها على الإطلاق، بإطلاق كلام

(١) سورة الأعراف: ١٧٩ (2) راجع صفحه:
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»