مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٢٢٩
وممن يمثل ذلك المقام في الأمة الإسلامية هو إمام العارفين وسيد المتقين علي أمير المؤمنين عليه السلام فهو في عامة مواقفه، في جهاده و نضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنمه منصة الخلافة بإصرار من الأمة، فهو في كل هذه الأحوال والمواقف، لا هم له إلا طلب رضوانه تعالى.
وقد صرح الإمام بذلك عندما طلب منه تسلم مقاليد الخلافة، فقال: " أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ". (1) وقد تجلت هذه الخصلة في علي عليه السلام حين مبيته في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
روى المحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقال صلى الله عليه وآله وسلم له: يا علي اتشح ببردي الحضرمي الأخضر، ثم نم على فراشي، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله عز وجل، ففعل ذلك عليه السلام فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

(1) نهج البلاغة: الخطبة 3 -
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»