مدينة النجف - محمد علي جعفر التميمي - الصفحة ٧٠
في طواياه ملايين من بني الإنسان... واد يبعث الروع والوجل في الأفئدة. من تلك القبور الماثلة دكاكها تتمثل المنايا مكشرة عن أنيابها، فأي قلب لا يزفر أو أي صدر لا يخرج من أعماقه تنهداته وحسراته!
وما أصدق الشاعر بقوله:
سر إن اسطعت في الهواء رويدا * لا اختيالا على رفات العباد فكم من جناجن صدر طحنت وكم من أشلاء أبليت فكان منها تراب هذا الوادي الأقدس إذن فما أطهرها من تربة وما أنقاها!!
بالموت تخضد شوكة الإنسان، فالنفس الصعبة المراس القوية الشكيمة تخضع ذلا واستكانة عند جبروت الموت فتتساوى تلك النفوس في ملكه وفي ديموقراطية سلطانه... في الأرماس المزدحمة في هذا الوادي هدأت النفوس في سباتها العميق بعد أن أتعبتها الأيام، فالشاعر الذي كان ينفح الناس بعبقاته ويشيع في الأمة روحه الفذة، والعالم الذي كانت تزدحم الأفكار والحقائق في دماغه وأفاد الأمة بسديد آرائه وناضج أفكاره، والفنان الذي صور الحياة ببأسائها وتعسائها، والزاهد الذي عزف عن متع الحياة وصدف عن متعها، فمضى لسبيل ربه نقي السريرة طاهر الضمير ولم يتحمل آثام المجتمع، وهؤلاء كلهم جروا في مضامير الحياة وعند مرحلة كانت هدأتهم الأخيرة:
ضجعة الموت رقدة يستريح * الجسم فيها والعيش مثل السهاد
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»