إلى غير ذلك من آيات الله العزيز، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموا النبي في ما اختلفوا فيه، ولا يجدوا تحرجا في نفوسهم من حكمه وقضائه (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسلموا تسليما لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهم يتذرعون بموارد من الآيات التي ظاهرها العتاب في الخطاب الإلهي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقضي بالبينات والأيمان، وهي قد تخطئ الواقع، أو بأخبار آحاد في تأبير النخل ونحوه في قبال الدليل القطعي.
مع إن لتلك الآيات الظاهرة في العتاب، في المنسبق من دلالتها بدوا، وجوها من المعنى، ذهلوا عنه!
الأول: إن مقتضى قوله تعالى: * (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير) * (1) أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مخاطب بفعل أمته كما يخاطب الولي بفعل المولى عليه، وكما يخاطب المربي بفعل من هو تحت قيمومته وتربيته، والرئيس يخاطب بفعل مرؤوسه، والإمام بفعل مأمومه، إذ إن صلاح الرعية من مسؤولية الراعي، ومن ثم يسند فعلهم إلى فعله وإن كان الفعل صادر حقيقة منهم لا منه.
ومن هذا القبيل إسناد فعل الحكومة وجهاز الحكم والدولة إلى الرئيس ويخاطب به، ومن هذا الباب قد يسند المعصوم الخطأ لنفسه كما في قول علي (عليه السلام) في خطبة له بعد تسلمه مقاليد الأمور والخلافة بصفين:
" فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني " (2).