نبأ تولي أبي بكر للخلافة، فرفع عقيرته قائلا: إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم، فكلم عمر أبا بكر، فقال: إن أبا سفيان قد قدم وإنا لا نأمن شره، فدفع له ما في يده، فتركه ورضي (1).
ولم يقف الأمر على الرشوة المالية حتى تعداه إلى الرشوة السلطوية، إذ يظهر أن أبا سفيان لم يقنعه المال وحده، بل طمح إلى أبعد من ذلك، فقال أبو سفيان: ما لنا ولأبي فصيل؟! إنما هي بنو عبد مناف!! فقيل له:
إنه قد ولي ابنك، قال: وصلته رحم (2).
هكذا ظهرت الرشا صريحة ماثلة للعيان - دون رادع ولا وازع - وقررت من قبل أبي بكر!! مع أنه في المقابل كان قد منع سهم المؤلفة قلوبهم - الذي نص عليه الكتاب وعمل به رسول الله - معتلا بأن ذلك رشوة على الإسلام!!
قال الشعبي: ليست اليوم مؤلفة قلوبهم، إنما كان رجال يتألفهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الإسلام، فلما أن كان أبو بكر قطع الرشا في الإسلام (3)، وكان ذلك بموافقة عمر ومشورته، معللا المنع بما يشبه تعليل أبي بكر (4).
وهذا الموقف من الشيخين يبين مدى التناقض والتباين بين ما قرروه في منع سهم المؤلفة قلوبهم وبين إعطائهم الرشوة لأبي سفيان مقابل السكوت على خلافتهم، وذلك هو الذي أثر على السنة النبوية من بعد، فادعى بعضهم أن سهم المؤلفة قد انتهى بانتهاء عمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (5)،