مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٦ - الصفحة ٢١٦
تراجم الرجال، كالبخاري، المتوفى سنة 256 ه‍ في كتابه: تاريخ البخاري.
أثر الإسلام في وعي التاريخ وحركة التدوين:
لم يكن التاريخ عند العرب قبل الإسلام أكثر من أخبار الأحداث المهمة، تنقل شفاها، وربما حدد وقتها بالقياس إلى حادثة أخرى، ولم يتجاوز الخبر التاريخي هذين البعدين، الرواية، وتعيين الوقت التقريبي.
حتى إذا نزل القرآن وأخذت العرب تصغي إليه وتحيطه بكل ما تدركه من معاني الإجلال والتقديس، وتتطلع في معانيه، أصبحت تقف على تفاصيل أحداث أكبر في التاريخ، بدءا بابتداء الخليقة، وصراع الخير والشر في الجنة، وهبوط البشر إلى الأرض، ثم صراع الخير والشر بين هابيل وقابيل، وسلسلة السير ذات الأثر الحاسم في تاريخ البشرية، نوح، إبراهيم، هود، صالح، يونس، يعقوب ويوسف، شعيب، موسى وهارون، داود وسليمان، زكريا ويحيى وعيسى بن مريم (عليهم السلام)، نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأحوال الأمم التي عاش بينها هؤلاء..
فوقفت من خلال ذلك على أنساق تاريخية، تنتظم تحت معادلات واضحة، وسنن محددة المعالم، وقف عليها العقل العربي لأول مرة، ولأول مرة يقف عليها عقل بشري، فما زال التاريخ عند سائر الأمم رهن الأساطير وطوعا للحكام، الآلهة أو أنصاف الآلهة، كما كانوا يدينون.
لأول مرة يستوقف التاريخ عقل العربي وغير العربي على بطولات وملاحم تصنعها فئات مستضعفة وممتهنة، وليس هو البطل الذي اعتادوا أن يسمعوا باسمه وكأنه ينحدر عليهم من شاهق، أو يرسل عليهم جندا من السماء، فيذهب القارئ في أعماق الوعي بالحياة الاجتماعية والقيم
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست