وإذا ما نظرنا إلى ما في تهذيب الأحكام من " دقائق نفيسة، وآراء ناضجة، وترجيحات مستقيمة، ومحاسن لا تقدر بقيمة " (1)، زيادة على ما فيه من لفتات الاستدلال البارعة مع التفنن بطرق الجمع والترجيح المتعددة، وتتبع آلاف الروايات المتفقة والمختلفة، وروايتها عن عشرات المشايخ وربط حديثهم بمصادره عبر سلاسل الرواة، تعلم عبقرية الشيخ الطوسي وهو في هذه المرحلة المبكرة من العمر.
وغرضنا من التعرض لمثل هذه الأمور ونظائرها التي قد تبدو قليلة الأهمية في بيان دور شيخ الطائفة في الحديث وعلومه، إنما هو لأجل اكتمال الصورة حول توجهه الكامل إلى خدمة الحديث الشريف في حياته العلمية كلها، ابتداء من الشروع بتأليف التهذيب في سن التلمذة على يد الشيخ المفيد، ثم الإبداع النادر في الإستبصار في عهد السيد المرتضى.
مع الالتفات إلى حاجة الأمة إلى حقيقة الإمام المهدي (عليه السلام)، وغيبته على ضوء ما ورد فيها من أخبار قبل ولادته (عليه السلام)، كما يتضح من تأليفه كتاب الغيبة أثناء زعامته الدينية المطلقة ببغداد، ولم تتعبه السنوات العجاف التي ساد فيها ليل السلاجقة، فهاجر إلى النجف ليواصل عطاؤه العلمي، فترك لنا من الحديث - بعد أن قارب السبعين خريفا - كتابه الأمالي أو المجالس في الأخبار.
وقد كانت وراء كل هذه المؤلفات وغيرها أهداف وغايات سامية، ففي أماليه مثلا حاول بيان وجه الحق الذي طالما حاولت بعض الجهات