مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٢ - الصفحة ١٦٦
ولو استقصينا الجدول الزمني والمسيرة التاريخية للفقه الشيعي، لوجدنا أن المدارس التي قامت ونشأت في هذه الفترة وتلك، في هذا البلد وذاك، كانت ولا زالت هي المحاور الرئيسية في إكسابه ما وصل إليه من منزلة سامية ومكانة شامخة، فاق بها طرا سائر الفرق والمذاهب، من حيث سعة المحتوى وعمق المطالب ومتانة الاستدلال ورفعة الطرح وتنوع الأساليب، المنصبة جميعا في قناة إثبات المدعى ونقض المخالف.
ومدرسة قم - التي ازدهرت في الربع الأول من القرن الرابع حتى منتصف القرن الخامس - وبعد انتقال حركة التدريس والتأليف إليها من المدينة والكوفة، استطاعت أن تظهر فاعلية كبيرة ودورا مؤثرا في تطوير الفقه الإمامي وإرساء قواعده المتينة وأطره الرصينة.
ولعل من أهم العوامل التي ساهمت في منح هذه المدرسة مكانتها المذكورة: هو ولاء قم - ومشهورية انتمائها - لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، حيث كانت ولا زالت تعد حصنا من حصون الشيعة المنيعة وثغرا من ثغورها الشامخة، والروايات الواردة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في عظم منزلتها وشرفها كثيرة ومعروفة.
كما كانت تعد آنذاك الركن الآمن الذي اطمئن إليه فقهاء آل البيت (عليهم السلام) بعد ما لاقوه من شتى صنوف القسوة والإرهاب من بني العباس وسوء معاملتهم لهم.
مضافا إلى ذلك، فقد كانت قم مركزا فقهيا كبيرا، لا سيما في عهد النواب الأربعة، إذ حفلت بالكثير من أعاظم الفقهاء وأجلتهم، أمثال: الكليني والصدوق ووالده وابن قولويه وابن الجنيد وعلي بن إبراهيم وغيرهم.
وقد ساعد وجود الدولة البويهية حينذاك على نمو المدرسة الفقهية
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 161 163 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست