مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٨ - الصفحة ٣٤٠
ترسيخ شقة الخلاف وتوسيعها مع الطرف الآخر الذي لم يتجاوز حدود الشريعة منذ صدورها ولم يلتجئ في الفتيا إلى ما يمحق الدين كالقياس والاستحسان، والمصالح المرسلة وسد الذرائع، التي ما أنزل الله بها من سلطان كما أسهمت بعض السياسات المعاصرة على إبقاء ما كان على ما كان، فحجبت الدراسات الموضوعية التي استهدفت تبصير المسلمين بملابسات التشريع، وواقع تاريخهم الإسلامي، عن الوصول إلى رعاياها، لأن الوقوف على سر الخلاف وحقيقته لا يجري بصالحها، فتراها كالخفافيش المختبئة في جحورها المظلمة هروبا من أشعة الشمس وضيائها.
وإذا ما نظرنا إلى ثقافة المسلمين أنفسهم، ومدى انفتاح كل فريق منهم على ما عند الآخر، وإلى ما يتصل بروح التعصب التي تحجر الفكر وتقيد حريته، وتصيب العيون بحمى الألوان فلا ترى إلا ما استقر عليه السلف، عرفت السر وراء صمت مدرسة الرأي وانغلاقها على نفسها، وعدم نزوعها لنداء مدرسة النص التي أخذت على عاتقها دراسة مسائل الخلاف بروح موضوعية مقارنة، مستهدية بنصوص الكتاب والسنة، ودليل العقل الذي حرمت منه شرعية مسلمة واسعة، فبرزت في سمائها أسماء لامعة سخرت طاقتها للكتابة في هذا الحقل، فتركت تراثا إسلاميا خالدا يتسم بالموضوعية والمقارنة إلى حد بعيد، ويأتي في طليعة تلك الأسماء اسم الشهيد الثالث (قدس سره) الشريف (السيد القاضي نور الله التستري / 956 - 1019 ه‍) لقد خلف الشهيد الثالث تركة علمية ضخمة ما بين كتاب ورسالة معظمها في المسائل الخلافية العقائدية والفقهية، ومن بينها رسالته في مسح
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 335 337 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»
الفهرست