وعلى هذا القياس يسقط الوجه الثاني أيضا، فإن هلاك وفد نجران لم يكن من أهم المهمات، فقد مرت عليه حوادث كانت أشد وأشق عليه من هذه القضية ولم يستعن في شئ منها في الدعاء بهؤلاء، على أن من المتفق عليه استجابة دعاء النبي فسي مقابلته مع الكفار، وإلا يلزم تكذيبه ونقض الغرض من بعثته.
فهذا كلام النواصب، وقد أبطله - بفضل الله تعالى - أهل السنة بما لا مزيد عليه كما هو مقرر في محله ولا نتعرض له خوفا من الإطالة.
وعلى الجملة فإن آية المباهلة هي في الأصل رد على النواصب، لكن الشيعة يتمسكون بها في مقابلة أهل السنة، وفي تمسكهم بها وجوه من الإشكال:
أما أولا: فلأنا لا نسلم أن المراد (بأنفسنا) هو الأمير، بل المراد نفسه الشريفة، وقول علمائهم في إبطال هذا الاحتمال بأن الشخص لا يدعو نفسه غير مسموع، إذ قد شاع وذاع في القديم والحديث دعته نفسه إلى كذا ودعوت نفسي إلى كذا (فطوعت له نفسه قتل أخيه) وأمرت نفسي شاورت نفسي إلى غير ذلك من الاستعمالات الصحيحة الواقعة في كلام البلغاء. فيكون حاصل (ندع أنفسنا): نحضر أنفسنا.
وأيضا: فلو قررنا الأمير من قبل النبي مصداقا لقوله (أنفسنا) فمن نقرره من قبل الكفار مع أنهم مشتركون في صيغة (ندع). إذ لا معنى لدعوة النبي إياهم وأبناءهم بعد قوله: (تعالوا).
فظهر أن الأمير داخل في (أبناءنا) - كما أن الحسنين غير داخلين في الأبناء حقيقة وكان دخولهما حكما - لأن العرف يعد الختن ابنا، من غير ريبة في ذلك.