مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٩ - الصفحة ٩٥
بأنه جسم أو صورة (227).
لوضوح كون هذا القول كفرا مخرجا عن الملة، فكيف يمكن أن يقع في الطائفة نزاع كبير في ذلك، وهو لم ينقل عن أحد من رجال الشيعة، كما نقل عن بعضهم القول بإطلاق اسم " الجسم ".
ثم إن رواية نقلها الكشي، تحدث فيها عن مخاصمة جمع من كبار الأصحاب فيما اختلفوا فيه من التوحيد وصفة الله عز وجل، فكتب أحدهم إلى أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام يحكي له مخاطبتهم وكلامهم ويسأله أن يعلمه. ما القول الذي ينبغي أن ندين الله به من صفة الجبار؟
فأجابه في عرض كتابه: إن الله أجل وأعلى وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفوا عما سوى ذلك (228).
فالظاهر من السؤال والجواب، هو أن البحث والمناظرة والخلاف الواقع بين الأصحاب إنما كان في إطلاق الصفات على الله تعالى.
وهذا القدر من تصرف هشام، في لفظ " جسم " ولو بالتواضع والاصطلاح لم يكن مستساغا من شخصية علمية عظيمة مثل هشام، لأن شخصا مقتدرا قد تسنم القمة الشماء في علم الكلام، والمناظرة، وهو منسوب إلى مذهب الشيعة، مذهب أهل البيت عليهم السلام لا بد أن لا يغفل عن أن الأعداء مترصدون له ولأمثاله من أنصار الحق، لاقتناص أية كلمة، ليقيموا الدنيا ولا يقعدوها، ويجعلوا من الحبة قبة - كما يقول المثل - ويغروا بنا كلابهم، ويثيروا علينا غوغاءهم، ويتهموا كل الطائفة، من أولها إلى آخرها، حتى الأئمة الأطهار سلام الله عليهم دعائم العدل والتوحيد.
فكان لا بد لهشام أن يتأبى من استعمال هذه الكلمة لأنها مدعاة لاتهامه بالتجسيم، ومغرية للجهلة بالهجوم عليه، وعلى الطائفة التي ينتمي إليها.

(227) التوحيد - للصدوق -: 100 ح 9 و 101 ح 12 و 13 و 14.
(228) اختيار معرفة الرجال: 279 - 280 ح 500.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست