ومن ذلك الخلط بين المعتزلة وهم العامة من الفرقة الثالثة، وبين الفقهاء وهم الشيعة.
فمن لم يحدد المناهج الفكرية، ولم يقف على أصول الانقسامات المذهبية، قد يتهم جمعا من المعتزلة بالتشيع، لما يجد من وحدة المنهج والفكر الكلامي بينهما، واعتمادهما على العقل كمصدر للعقيدة (19).
وقد يتهم التشيع بالاعتزال، على ذلك الأساس نفسه.
والمعترضون المغرضون، لا يفرقون بين التهمتين، تهمة الاعتزال بالتشيع، أو تهمة التشيع بالاعتزال، فأيتهما حصلت تحقق غرضهم، من ضرب الفريقين، لأنهم يجدونهما - معا - معارضين لمنهجهم الكلامي، وملتزماتهم الفكرية.
وهذا ما وقع - مع الأسف - في تأريخ الفكر الإسلامي، حيث عمد بعض الأشاعرة، إلى إلقاء تلك التهم، بغرض التشويش على سمعة المعتزلة تارة، وعلى سمعة الشيعة أخرى.
مع أن الأشاعرة هم الذين يشتركون مع المعتزلة في أصل المذهب، وهو الالتزام بمنهج الخلافة على طريقة العامة، وبذلك يبتعدون عن التشيع في أصل المعتقد.
وكذلك يتهم بعض الشيعة من الأخباريين، الفقهاء من الشيعة بالاعتزال، باعتبار اتخاذهم كلهم العقل مصدرا للفكر.
ناسين أن التشيع يفترق عن الاعتزال في أصل الإمامة - قبل كل لقاء - كما يفترق عنه في كثير من المسائل الفكرية المهمة.
وأن مجرد التقاء التشيع مع الاعتزال في بعض المواضع والنقاط، كالتوحيد، والعدل، ليس معناه اتحادهما في كل شئ، فضلا عن أن يكون التشيع مأخوذا من الاعتزال، أو أن يكون الاعتزال مأخوذا من التشيع!