فشعر العراق أبعد شأوا في حلبة الشعر، وأهدى إلى الإصابة في طريق النظم والنثر، لأنهم ارتضعوا أفاويق (55) در الفصاحة لبانا، ونطقوا بألفاظها صبيانا، فكانت لهم لدودا ونشوعا (56)، يردون مناقعها ينبوعا فينبوعا، حتى نشأوا وقد مرنت على الفصيح لسانهم، وأفصحوا باللغة التي ملأت آذانهم، وراثة عن الأمهات والآباء، والعصبات والأقرباء. لا كمن سمع البلاغة بعد البلوغ مترعرعا، واحتلبها متمحلا متكلفا متتبعا، وليس التخلق كالخليقة، والتلهوق (57) كالسليقة، ولا الدربة كالكلفة.
وهيهات أن يكون للضباب صوب السحاب، وللغراب قاب (58) العقاب، وأن يكون من تبوأ خراسان كمن تربع بالدهناء (59)، وتشتى الصمان (60) وشرب أحاليب اللقاح، وهبت عليه صبا نجد في الرياح، واستظل في العكاك (61)، بظل السمرات والأراك، واستاك بفروع البشام (62)، وظلل وطابه بالتمام (63)، وبكى بنوح الحمام، وخاطب الربوع بعد الإقواء، وسأل تقاطيع الظباء، واحترش الضباب مغتديا بالكشى والمكن (64)، وندب الأطلال وبكى على السكن، ونطق بالفصيح، وسكن منابت القيصوم والشيح (65). هل يستوي هو ومن تدرب بلغة نيسابور وهراة، هيهات أن يكون ذلك هيهات. هذا هو القول عموما في شعر الفريقين، عند الاتحاد باللسان العربي، ولغة إسماعيل النبي.
فأما خصوصا في الفحلين:، فإن فتى الأزد منصورا، وإن أصبحت الآذان إلى كلامه