صورا (66)، استحلاءا لنظامه، وتعجبا من بعد غوره في الفصاحة ومرامه، وبلغ من درجات الشعر مناط العيوق والنسر، وأبدع في صنعته كل الابداع، حتى أروى بماء كلامه الرقراق ظمأ الاسماع، ولم يبق في قوس البلاغة منزعا، متحققا فيها لا متشبعا، تضاهي قلائده أوشحة المجرة والجوزاء، يكاد يخبو لديها دراري السماء، يقرطس (67) سهام البلاغة أهدافها، ويقشر عن لآلئ البحر من أصدافها، ويمتري مستوعبا أخلافها، متربعا في أوساطها، جامعا أطرافها.
فإن الشريف الرضي أعذب كلاما، وأحلى نظاما، وأندى بمحاسن الشعر غماما، وأتم فيها تماما. بحر لا تكدره الدلاء، ونطق يقصر عنه لو نطق الجوزاء، وقصائد تبهى بمزاينها جبين الأيام، ويتوضح بضيائها سدف الظلام، وشواردهن بعدهن قريبة من الأفهام، إذا حصلت على البياض بين المدد وألسنة الأقلام، يخوض بها لجج البلاغة أتم الخوض، ويفتن في أنواعها تفنن الصفراء والحمراء من قطع الروض. فما من باب شرع فيه إلا علك الفصاحة بأشد لحى، حتى كأنه ألهم الصواب بأسد وحى، وما من بحر ركب سفينة، إلا غاص على دره وانتزع دفينه.
وإن من ولدته هاشم وانتسب إلى مضر الحمراء لعريق في الفصاحة رأس في الفصحاء، إذا عضد بما عضد به الرضي من سلاسة ألفاظ، وبعد مرمى في المعاني والأغراض.
وليس يستحيي مفضول فضله الشريف وإن كان أمير المنطق، بليغ المشرق، فلا إزراء بالقمر وإن بهرته الشمس، وللعرب الفصاحة مسلمة ليست تنكر ذلك الفرس.
وهذا حكم يحكم به حكام الفضل، ويسجل به أولو التمييز والعقل. ومن تأمل الكلمتين لم يطل به الزمان حتى ينقاد لحكمي وإن كان أبيا، ويحطب في حبلي وإن كان ؟؟ (68). ولولا خوف الملال لوازنت بين كل بيتين من الكلمتين، حتى يتبين الصبح لذي عينين.
كتبه علي بن أحمد الواحدي.