اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله - صلى الله عليه وآله - وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه - صلى الله عليه وآله -، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير، وإنك لعلى خير.
... وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصديقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمار الليل ومنار النهار، مستمسكون بحبل الله، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يعلون، ولا يغلون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل " (16).
يركز الإمام عليه السلام في هذا الكلام على نقطة مهمة جدا وهي: إن من يقوم مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شؤون الرسالة لا بد أن يكون أفضل المتخرجين عليه والمتأدبين منه، ويؤكد على أنه هو الواجد لهذه المواصفات والحائز لتلك المقامات، وإنه ما من علم علمه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأذن في تعليمه، وما من خلق وأدب كان الرسول عليه إلا وقد أخذه منه، حتى تأهل لأن يسمع ما كان يسمع ويرى ما كان يرى، ولولا ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لكان هو النبي من بعده، ولذا استثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم النبوة قائلا له: " إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير ".
وفي قوله: " ولكنك لوزير " إشارة إلى قوله عز وجل حكاية عن موسى: " واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي " (7).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له عليه السلام:
" أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (18).