في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٦٧
وأما معنى قوله: * (من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) * (1). فالمراد من " ورائهم " كونه أمامهم، ومحيطا بهم، وسمي وراءهم بعناية أنه يطلبهم، كما أن مستقبل الزمان أمام الإنسان، وفي نفس الوقت يقال: وراءك يوم كذا بعناية أن الزمان يطلب الإنسان ليمر عليه، وبذلك يعلم معنى قوله سبحانه: * (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * (2) فكأن الملك وجنوده محيطون بالبحر أو بمعابره ومضائقه فهم يتعقبون كل سفينة ليأخذوها.
وأما البرزخ فهو الحاجز بين الشيئين قال سبحانه: * (بينهما برزخ لا يبغيان (3)) *.
وكونه حاجزا لا يعني انقطاع الصلة بين أهل الدنيا وأهل البرزخ، بل يكون مانعا من رجوع الناس إلى حياة الدنيا.
ومما يؤيد ذلك هو أن الآية وردت في رد طلب الكافرين الرجوع إلى الدنيا، كما يحكيه عنهم قوله سبحانه: * (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها) *.
فعند ذلك يؤكد النفي المستفاد من قوله: * (كلا) * الصريح في عدم إمكان الرجوع، فيقول: * (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) * أي ثمة مانع من الرجوع إلى يوم البعث.
وبعبارة أخرى: أن المراد من الحاجز ليس هو وجود جدار رفيع بين

(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»