دراسات في العقيدة الإسلامية - محمد جعفر شمس الدين - الصفحة ٧٤
ويعبر المتصوفة عن هذه الحالة، التي تحصل معها المعرفة، بتعبيرات غامضة، كالبصيرة، والكشف، والعيان المباشر. وغير ذلك.
والذي يبدو، أن هؤلاء الصوفية - ولو بنحو الموجبة الجزئية - عندما رأوا، أن الحواس لا يمكن أن تكون طريقا إلا إلى معرفة ما يقع تحت منالها، والله مما لا يدرك بحاسة. وشككوا في قيمة العقل في مجال المعرفة، لم يبق أمامهم إلا سلوك هذا الطريق، وحصرهم معرفة الله بالحدس أو القلب.
وهذا بعينه، هو ما يظهر، من بعض فلاسفة القرنين السابع عشر، والثامن عشر، كبليز بسكال، وأما نويل كنط، بل ما يذهب إليه بعض أساتذة الفلسفة في هذا القرن حيث يقول، وإذن، فلا بد من أن تكون هناك طريقة أخرى لمعرفة الله عن سبيل آخر، غير سبيل العقل المنطقي، وليس هذا سوى الحدس (1).
ب - اختيار ونقاش:
ومهما يكن من أمر، فإن ما ذهب إليه الحشوية، وأهل الحديث، من قولهم، بإمكان معرفة العلة الأولى بالسمع، مما ورد في الكتاب الكريم، والسنة الشريفة خطأ لا يمكننا المصير إليه، وذلك لاستلزامه الدور.
إذ ان ثبوت حجية الكتاب، فرع إثبات الربوبية ومتوقف عليها توقف الحكم على موضوعه.
فإذا أردنا أن نثبت الربوبية بالكتاب وغيره يلزم أن يكون ثبوت كل منهما متوقفا على الآخر، فيكون من توقف الشيء على نفسه. وهذا هو الدور.

(1) هو الأستاذ ولتر ستيس في كتابه الزمان والأزل 313.
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 70 71 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»