بحوث قرآنية في التوحيد والشرك - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٠
الأفعال التشريعية.
إن الموحد يعبد الله سبحانه بما أنه قائم بهذه الأفعال، من دون أن يفوض شيئا منها إلى مخلوقاته، ولكن المشركين مع اعتقادهم بأن آلهتهم وأربابهم مخلوقون لله تبارك وتعالى، لكن كانوا على اعتقاد أنه فوض إلى الآلهة أمور التكوين والتشريع كلها أو بعضها، فلذلك كانوا يستمطرون بالأنواء والأصنام ويطلبون الشفاعة منهم بتصور أنهم مالكون لحق الشفاعة، ويطلبون منهم النصرة والعزة في الحرب بزعم أن الأمر بيدهم وأنه فوض إليهم.
وعلى ضوء هذه التعاريف الثلاثة يظهر الفرق الجوهري بين التوحيد في العبادة والشرك فيها، فكل خضوع نابع عن اعتقاد خاص بإلهية المخضوع له وربوبيته أو تفويض الأمر إليه فهو عبادة للمخضوع له سواء كان ذلك الاعتقاد الخاص في حق المعبود حقا - كما في الله سبحانه - أو باطلا كما في حق الأصنام. وعلى كل تقدير فالخضوع الناجم عن هذا النوع من الاعتقاد، عبادة للمخضوع له.
وأما لو كان الخضوع مجردا عن هذه العقيدة فهو تعظيم وتكريم، وليس بعبادة، ولا يكون الخاضع مشركا، ولا عمله موصوفا بالشرك، غاية الأمر ربما يكون حلالا كما في الخضوع أمام الأنبياء والأولياء ومن وجب له حق بالتعليم والتربية، وربما يكون حراما كالسجود أمام النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " والولي " عليه السلام " وغيرهما لا لأنه عبادة للمسجود له، بل لأنه لا يجوز السجود لغيره سبحانه وأن السجود خضوع لا يليق بغيره.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 47 48 49 50 51 53 55 56 57 ... » »»