المواسم والمراسم - السيد جعفر مرتضى - الصفحة ١٣
الإسلام... وظاهرة الجحود وبعد أن تحقق لدينا أن طريقة القرآن، ونهج الإسلام إنما هو الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن... وأن الأساس والمنطلق هو الحوار الموضوعي المنصف، القائم على قاعدة: " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " و " ما على الرسول إلى البلاغ " و " فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر " وذلك في ظل حرية العقل، وحرية التعبير، وحرية الموقف...
وعرفنا كذلك: أن الرفق، والرضا، والتفاهم، وروح التعاون في البحث الموضوعي النزيه والهادف... هو الجو الطبيعي، الذي يريده الإسلام، ويرى أنه يتهيأ له في ظله تكريس وجوده، وتأكيد واقعيته وأصالته...
إذا عرفنا ذلك كله... فإننا ندرك: أن ما يدينه الإسلام، ويرفضه، ويسعى إلى إزالته، هو حالة تكبيل العقل في قيود الهوى، والعواطف، والشهوات، والمصالح الشخصية، والقبلية، والأهواء والعصبيات...
فهو يرفض ويحارب ظاهرة: " وجحدوا بها " من أجل الحفاظ على بعض الامتيازات الظالمة التي جعلوها لأنفسهم، أو استجابة لدواع غير واقعية ولا أصيلة ، أو من أجل الحصول على بعض الملذات الزائلة، والتمتع بها، أو من أجل الحفاظ على مركز اجتماعي، أو على وضع اقتصادي، أو سياسي معين، وإن كان ذلك على حساب " المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلا "، أو حتى على حساب كل المثل والقيم الإنسانية، وكل الضوابط والمعايير والأحكام الإلهية...
هذا... بالإضافة إلى أن أولئك الجاحدين، بموقفهم الجحودي ذلك، إنما يعاندون قناعاتهم، ويضطهدون عقولهم " واستيقنتها أنفسهم " فيجعلون عقولهم ووجدانهم، وفطرتهم، وكل النبضات الإنسانية الحية في وجودهم، في سجن تلك الأهواء، والمصالح، ويثقلونها بالقيود، ولتكون نتيجة ذلك هي إلقاءها في سلة المهملات، مع نفايات التاريخ.
فيأتي الإسلام... ويقف في وجه هذا البغي، ويعمل على تحطيم هذا الطغيان ، فيحرر العقل والفطرة من قيد الجمود هذا، لينطلق إلى الحياة باحثا، ومنقبا، وبعد ذلك مستنتجا، وصاحب قرار وتصميم، حينما يستكشف كل معاني السمو، والخير والسعادة، بعيدا عن كل النزوات البهيمية، وصراع الشهوات،
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 19 ... » »»