وشبابه المثقفين بعد ألفي عام وإن كان الشيوخ والعجائز يؤمنون به إيمانا تقليديا لا علميا، فالجدد منهم مسيحيون في هوياتهم الشخصية لا في هوياتهم العقلية والفكرية، ومما أثر في ذلك هو فقدان كل أثر ملموس عن سيدنا المسيح في حياتنا البشرية، ولولا أن القرآن الكريم جاء بذكره ورسالته ومواقفه لكان الشك متسربا إلى أذهاننا وأفكارنا.
وهذا بخلاف ما لو كان له أثر ملموس يزار بين آونة وأخرى، وتشد الرحال إليه عندئذ لكانت الديانة المسيحية حية نابضة بلا شك وريب.
ومن الأسباب والوسائل التي أضفت على الإسلام حيوية وعلى نبيه بقاء في القلوب وعلى مواقفه وبطولاته خلودا في الأذهان والضمائر، هو وفود المسلمين في كل شهر وسنة إلى موطنه (مكة) ومهجره (المدينة) وزيارة قبره وآثاره وقبور أولاده وأصحابه ومشاهدة مولده ومبعثه وما يمت إليه بصلة طوال حياته، حيث أضفت هذه الوفادة المستمرة على وجوده ورسالته نورا وضياء، وواقعية تذهب كل ريب وشك وتقر في النفوس عظمته وبطولاته.
وإذا كانت الذكرى ناقوسا في وادي النسيان يذكرك الحبيب ويرن في أسماعك جماله وكماله، فزيارته والمثول أمام آثاره وعظمته تؤثر في خلوده وبقائه في النفوس وتزيل غبار النسيان عنه. لذا نرى أن الفقهاء أفتوا بأنه يجب على الحاكم الإسلامي تجهيز المسلمين من بيت المال وإرسالهم إلى الحج إذا خلت الكعبة عن الزوار لئلا تنسى وحتى تبقى خالدة في قلوب المسلمين ومهوى أفئدتهم، فكذلك قبور الأنبياء والمرسلين وفي مقدمتهم سيدنا سيد الرسل نبينا الأكرم عليه صلوات