في الرخاء أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء، ثم إذا دعا ربه في الشدة، كان معنى عمله أنه يذعن بالربوبية في حال الشدة وحسب، وليس هو تعالى على هذه الصفة، بل هو رب في كل حال وعلى جميع التقادير.
عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان، يجب أن يعلم بأن ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله، وأنه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها، وذلك لأنه خالق الكون والإنسان والحياة، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم.
ولهذا نجد أن الأنبياء والأوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش، يدعون ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله: * (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) * (1).
إن الله تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم، وقد ورد في الروايات ما يدل على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء.
فعن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه كان يقول: (ما من أحد ابتلي وإن عظمت بلواه أحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء) (2).