التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٦٥
فالإمعان في معنى الآية وملاحظة أن هؤلاء المشركين كانوا يقومون بعملين:
(العبادة وطلب الشفاعة كما يدل عليه قوله: (ويعبدون) ويقولون) يكشف عن أن علة اتصافهم بالشرك واستحقاقهم لهذا الوصف كانت لأجل عبادتهم لتلك الأصنام لا لاستشفاعهم بها، كما لا يخفى.
ولو كان الاستشفاع بالأصنام عبادة لها في الحقيقة لما كان هناك مبرر للإتيان بجملة أخرى أعني قوله: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا) بعد قوله: (ويعبدون) إذ كان حينئذ تكرارا.
إن عطف الجملة الثانية على الأولى يدل على المغايرة بينهما، إذن لا دلالة لهذه الآية على أن الاستشفاع بالأصنام كان عبادة فضلا عن كون الاستشفاع بالأولياء المقربين عبادة لهم، نعم قد ثبت أن الاستشفاع بالأصنام كان عبادة لهم بملاك آخر غير موجود في الاستشفاع بالنبي، كما سيوافيك في التالي.
2 - إن هناك فرقا بين الاستشفاعين فالوثني يعتبر الصنم ربا مالكا للشفاعة يمكنه أن يشفع لمن يريد وكيفما يريد. والاستشفاع بهذه العقيدة شرك، ولأجل ذلك يقول سبحانه نقدا لهذه العقيدة.
(قل لله الشفاعة جميعا) (الزمر - 44) والحال أن المسلمين لا يعتقدون بأن أولياءهم يملكون هذا المقام فهم يتلون آناء الليل وأطراف النهار قوله سبحانه:
(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (البقرة - 255) ومع هذا التفاوت البين والفارق الواضح كيف يصح قياس هذا بذلك؟
والدليل على أن المشركين كانوا معتقدين بكون أصنامهم مالكة للشفاعة أمران:
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»