التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٦١
له حق الشفاعة كأن يقول " يا رسول الله اشفع لنا " هل هو شرك أو لا؟
وليس البحث في المقام - كما ألمعنا إلى ذلك غير مرة - في كون هذا الطلب مجديا أو لا إنما الكلام في أن هذا الطلب هل هو عبادة أو لا؟
فنقول: قد ظهر الجواب مما أوضحناه في الأبحاث السابقة، فلو اعتقدنا بأن من نطلب منهم الشفاعة، لهم أن يشفعوا لمن أرادوا ومتى أرادوا وكيفما ارتأوا، دون رجوع إلى الإذن الإلهي أو حاجة إلى ذلك، فإن من المحتم أن هذا الطلب والاستشفاع عبادة وأن الطالب يكون مشركا حائدا عن طريق التوحيد لأنه طلب الفعل الإلهي وما هو من شؤونه من غيره.
وأما لو استشفعنا بأحد هؤلاء الشفعاء ونحن نعتقد بأنه محدود مخلوق لله لا يمكنه الشفاعة لأحد إلا بإذنه فهذا الطلب لا يختلف عن طلب الأمر العادي ماهية ولا يكون خارجا عن نطاق التوحيد.
وإن تصور أحد أن هذا العمل (أعني طلب الشفاعة من أولياء الله) يشبه - في ظاهره - عمل المشركين، واستشفاعهم بأصنامهم، فهو تصور باطل بعيد عن الحقيقة.
لأن التشابه الظاهري لا يكون أبدا معيارا للحكم بل المعيار الحقيقي للحكم إنما هو: قصد الطالب، وكيفية اعتقاده في حق الشافع، ومن الواضح جدا أن المعيار هو النيات والضمائر، لا الأشكال والظواهر، هذا مع أن الفرق بين العملين واضح من وجوه:
أولا: إنه لا مرية في أن اعتقاد الموحد في حق أولياء الله يختلف - تماما - عن اعتقاد المشرك في حق الأصنام.
فإن الأصنام والأوثان كانت - في اعتقاد المشركين - آلهة صغارا يملكون شيئا من شؤون المقام الألوهي من الشفاعة والمغفرة، بخلاف أهل التوحيد فإنهم
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»