صامتا رائحا وغاديا مطرقا، يترفع بنفسه عما يلهو به غيره من أترابه وما يدنسهم منصرفا عما لا يعنيه.
وكان خلال صمته وتفكره ينتقد بينه وبين نفسه، وربما انتقد بينه وبين أبيه الأوضاع الشاذة السائدة حينذاك في مكة، وطغيان ساداتها وجبروتهم الذي يوشك أن يطيح بهم، أو أن يبدلوا أمن الحرم خوفا، ورخاء العيش شدة.
فهؤلاء السفهاء من بني أمية، وجمع، وسهم، وعدي، وغيرهم من المهيمنين على أهل مكة، لا يكفيهم أفياؤهم ومرابحهم، ولا تسد شهواتهم القيان ومن استزلهن الشيطان من نساء الحاضرة، حتى سطوا على تجارة الغرباء، وغلبوا الزائرين على بناتهم، فيبلغوا حاجتهم من الأموال والأعراض، ويغزوهم بأبشع من غزو البادية، وأشنع استهتارا.
وقد قال عمار لأبيه مرة، ويح هؤلاء ألا يتقون شر هذه البدع المنكرة في قدسية بلدهم الذي يحيون به؟ ألا