وهؤلاء ما كانوا يبطنون فكرة التشيع التي كانوا يؤمنون بها منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولأجل ذلك حين قتل عثمان، بإجهاز المصريين عليه، بايعوا عليا كما بايع أهلها طوعا ورغبة.
لما بعث علي (عليه السلام) قيس بن سعد أميرا على مصر بايع أهلها طوعا، إلا قرية يقال لها خربتاء (1).
كان هذا نواة لمذهب التشيع في تلك البلاد، وإن تغلب عليها الأمويون بعد ذلك حين قتل عمرو بن العاص ومعاوية بن حديج - اللذين أرسلهما معاوية بن أبي سفيان إلى مصر - والي علي (عليه السلام) على مصر محمد بن أبي بكر بشكل بشع، ثم جعلوا جثته في جيفة حمار وأحرقوها بالنار، وهو أسلوب يدل على انحراف كبير عن الدين، وانسلاخ عن أبسط معاني الإنسانية، ولكن للحق دولة وللباطل جولة، فهذه الأعمال الإجرامية وما ارتكبه العباسيون من الجرائم صارت سببا لابتعاد الناس عن السلطات المتعاقبة الظالمة وتعاطفهم مع العلويين واحتضانهم لهم، ويظهر ذلك بوضوح عند قيام الدولة الفاطمية الشيعية هناك والتفاف المسلمين حولها، والتي كان لها الدور الأكبر في انتشار التشيع واعتناق المسلمين له في شمال إفريقيا، حيث امتد نفوذها وسلطانها إلى الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، وكذا إلى السودان جنوب مصر.
لقد اعتنق المصريون التشيع برغبة وجهروا بحي على خير العمل، وتفضيل علي على غيره، كما جهروا بالصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله).
لقد قامت في عهد الفاطميين مراسم عاشوراء، وعيد الغدير، ولم تزل هذه المراسم إلى يومنا هذا. وكان التشيع مخيما على مصر في عهد الفاطميين وضاربا أطنابه في القرى والبلدان، لولا أن صلاح الدين الأيوبي أزال سلطتهم